“حكاية مع كورونا”
بدرية بنت حمد السيابية
أحسست بإرهاق وتعب شديد، مع صداع يتراقص في رأسي دون توقف، يكاد رأسي ينفجر منه، أسعلُ كثيراً، تتسارع نبضات قلبي ودرجة حرارتي مرتفعة، ماذا جرى لي؟ أيعقل أني قد أصبت بما يسمى بفيروس “كورونا” ؟! لا لا هذا مستحيل فأنا لم أخرج من البيت منذ أسبوعين، حاولت أن أتذكر تفاصيل الأحداث خلال الأسابيع الماضية، تذكرت أخيراً بأني قد طلبت طلبية منذ أسبوع عبر أحد المواقع الإلكترونية لبعض الأغراض الضرورية، أصبحت أُخمن بطريقة عشوائية لعل هذا هو أحد الأسباب لنقل الفيروس لي – يا الله ساعدني- ودنى مني الخوف ليتسلل في فكري، حينها سقطتُ أرضاً مُغمى علي، لا أعلم كم من الوقت استغرق لاصحو، فتحتُ عيناي قليلاً أجد كل من حولي يبكي، أمي أبي، إخوتي جميعهم، كان رأسي مرمياً على مخدة بيضاء اللون مع سرير أبيض به عجلات تسير بي بقوة. أحدهم يمسك السرير والآخر يجهز الأجهزة الطبية الكثيرة مرتبكاً خائفاً يقول لأحدهم لا نريد أن نفقد أحد اليوم، حينها أدركت إني في المستشفى.
كنتُ صامتة عاجزة وسط تلك الزحمة والأصوات العالية، فقد كنت أحس بدمعتي وهي تنزل على خدي، ونبضات قلبي تنبض بسرعة تكاد تخترق قفص صدري، يا له من شعور يعجز لساني عن وصفه!! تركوني وحيدة بتلك الغرفة الصغيرة مع تلك الأجهزة ذات الأصوات المزعجة، وهناك من يراقب حالتي بين الحين والآخر، نعستُ قليلاً فصحوت على صوت مخنوق حزيناً من خلف الباب يقول لي: لا تخافي يا ابنتي ستكونين بخير إن شاء الله.
يا له من صوت يبعث في قلبي الفرح والطمأنينة، لا تتوقف عن الحديث معي يا أبي كلماتك النابعة من قلبك تعيد لي البسمة والحياة من جديد بروح التفاؤل والأمل بالله العلي العظيم، حدثني يا أبي فأنا أسمعك بكل جوارحي، لا أستطيع الرد عليك لتفرح بسماع صوتي، كن قريباً مني لا أريد الرحيل عنك وعن أمي. كنتُ أستمع لصوت أبي وهو يدعو الله لي بالشفاء العاجل، فقد طال انتظاري في هذا المكان.
وظلت الأسئلة المخيفة تجوب عقلي هل سأموت بهذا المرض؟! سأترك قلب أمي حزيناً يبكي عليه طوال الوقت؟ سأفقد حنان أبي الحنون وحكايات إخوتي وضحكاتهم الجميلة التي ترافقني بفرح دائما؟ هل سأترك كتبي بين الرفوف منتظرة فهي حتماً تنتظر رجوعي بكل حب وشوق لقراءة ما مكتوب بين سطورها الجميلة، اشتقت لكتاباتي، لفكري،إلهامي! وغيرها من الأسئلة ولا أجد لها الجواب! حاولت أن أحرك رأسي قليلاً فلم أستطع، كانت الأجهزة تقيد رأسي جيداً وكأنها تقول لي: لا تتحركي أبقِ ثابتة! كانت عيناي تتحرك كثيراً تنظر يميناً ويساراً، والخوف يسيطر على نبضات قلبي المتسارعة، في داخلي صوت يصرخ بكل قوته؛ أيوجد أحد هنا لأحدثه ويحدثني، لماذا أنا في هذا المكان؟ أين أنتِ يا أمي لترفعي عني هذا الألم الفضيع أشتاق لحضنك الدافئ.
ظليت أدعو الله بكل جوارحي بأن يشفيني ويعافيني، وأن أرجع لحضن أمي وأبي وكل من يفرح لرؤيتي سالمة، معافاة، فقد طال بقائي في هذا المكان المغلق المخيف، المجهول لا أعلم ما يدور من حولي، أنظر للأعلى أراقب تلك القطرات تسقط من كيس بلاستيكي “سقاية” عبر أنبوب متصل بأبرة مغروزة بعمق في وريد يدي، مع شريط لاصق لونه يشبه لون الياسمين من شدة بياضه، كنتُ أراقب المكان بتمعن إلى أن أغمضت عيناي وكأنها لحظة الوداع، لم أرى فيها غير كوابيس، لم أستطع الاستيقاظ منها، وبعد برهة فتحتُ عيناي، ورأيت أمي تناديني وتقول: انهضي ألا يكفي نوم وكسل لهذا اليوم؟ فقلت: أين أنا يا أمي؟ الحمد لله ما زلت حية؟ هل خرجت من ذاك المكان المخيف؟ ضحكت أمي وقالت :ماذا بك؟ لابد أنك حلمتي حلماً جعلك تتحدثين هكذا؟ هيا احكي لي عن حلمك فقلت:لا لا، فكان حلماً وليس حقيقاً، فقد رأيت ما هو قاسياً ومخيف فالحمد لله أنه كان حلم.
أحياناً هناك أحلام لا تود الاستيقاظ منها، وتتمنى أن تتحقق لتعيش واقع وملموس كل حلم جميل، وبعض الأحلام لم تحلم بها ولكنها تتحقق رغم قسوتها وآلامها، فكما يقال كل حلم وله تفسيره.