محمد علي البدوي
إن تطور البلدات والمدن والتجارة أدى إلى قيام الإمبراطوريات الكبرى، وتطلب ذلك مزيداً من عمليات التبادل التجاري والسفر بين هذه الإمبراطوريات القديمة.
كما أدى ذلك إلى ظهور الأطماع الاستعمارية التي تتطلب السفر من مكان لآخر للاستيلاء على خيرات الآخرين.
وكانت الدولة المصرية أول إمبراطورية تظهر حاجتها الماسة للسفر، فكان معظم القدماء يدركون أن السفر يجلب لهم المتعة، ويشبع فضول الغالبية في اكتشاف ما يحيط بهم من عوالم وبيئات مختلفة.
بدأت أولى إرهاصات السفر التي استطاع العلماء تدوينها عام ٢٧٠٠ ق.م، ولاحظ القدماء أن الناس يأتون من أماكن مختلفة لرؤية المقابر التي نالت شهرة واسعة.
وتحدث العلماء عن قصص زوار المقابر الذين كانوا يجمعون قطعاً من شظايا الحجارة المتواجدة بجوار المقابر لتصبح بمثابة تذكار مما يعكس ولع الناس منذ القدم بالحصول على تذكارات من الأماكن التي يزورونها.
كان الإنسان في بدايات الأمر يميل الي الاستقرار لأسباب تبدو منطقية، وكان يتنقل عندما تتطلب الحاجة سفرا لأسباب تتعلق بالبقاء، أو كان يسافر هرباً من المخاطر أو بحثاً عن الطعام.
وبالتدريج نشأت مستوطنات بشرية أكبر نسبياً على طول السواحل الشاطئية، وبجانب الأنهار كان الغرض إما للبحث عن الطعام أو لأسباب صحية.
أدى ذلك إلى تطوير صناعة القوارب بكافة أحجامها لتصبح صالحة للسفر لمسافات طويلة، سواء للبحث عن الطعام أو للتبادل التجاري مع مستوطنات أخرى.
وكانت الدولة الأشورية تشكل المنطقة المعروفة الآن بالعراق، وتوسعت حتي وصلت إلي البحر المتوسط غربا والخليج العربي شرقا، وتطلب ذلك مزيداً من الاهتمام بالطرق ورعايتها لأغراض حربية وتجارية وصناعية.
وتم وضع إشارات تنبيهية تشير الي المسافات وأبدوا اهتماما كبيراً بالآبار ونظافتها.
وحتى يومنا هذا ما زلنا نرى تأثيرات البناء العسكري على السفر الترفيهي حيث تم تطوير الطرق بين الولايات والمستوطنات المختلفة لتسهل حركة الجنود والتجار وناقلي البضائع.
في البداية استخدم الأشوريون الحصان والحمار والعربة للتنقل، وواصل الفرس الذين احتلوا هذه المنطقة فيما بعد حركة التطوير وظهرت عربات جديدة بأربع عجلات للأثرياء وذوي الجاه.
ولكن التاريخ يشهد أن الإغريق هم أول من طوروا بنية تحتية متطورة للسفر.
كانت معظم المدن اليونانية تقع على الساحل، وكانت التجارة مهنة الإغريق الأولى، يسافرون بالقوارب من مدينة لأخرى من أجل البيع والشراء وتبادل المنتجات.
وكان السفر من أجل المتعة معروفاً عند الإغريق فكانوا يسافرون من أجل الاحتفال بالمناسبات الدينية أو الأحداث الرياضية أو زيارة مدن أخري ذات شهرة واسعة.
لكن انهيار الإمبراطوريات القديمة أدى إلي تراجع فكرة السفر بسبب سيطرة الجنود المارقين والبرابرة على معظم الطرق التي شيدها الأوائل، رغم استمرار رحلات الحج إلى الأماكن المقدسة.
وكان عصر النهضة هو نقطة التحول في عالم السفر والترحال، ويعود الفضل إلى حركات الفكر والثقافة التي اجتاحت العالم الأوروبي وساعدت في تشكيل وعي إيجابي تجاه حقوق الإنسان.
ثم كان للثورة الفرنسية دور أصيل في الإشارة إلى السياحة كونها حقاً من حقوق العمال.
دافعت النقابات العمالية عن حقوق العمال وطالبت أصحاب الأعمال بمنح إجازات طويلة المدى أو إجازات مدفوعة الأجر مما أدى إلى تزايد قدرات العمال على القيام بالسفر من أجل المتعة والاستجمام.
لم تكن فكرة السفر مجرد رغبة في المتعة والإثارة بقدر ما كانت نتيجة منطقية لتطور الفكر الأوروبي الذي كان يرى أن العطلات واجب حتمي تجاه كل عامل حتى يستطيع استعادة نشاطه وحيويته.
واستمرت المسيرة حتى استطاع السير توماس كوك في إنجلترا أن ينظم أول رحلة سياحية في العصر الحديث.
حفظ الله شعوبنا العربية