المسرحين والباحثين عن العمل
يعقوب بن حميد المقبالي
إن ما يدور في الساحة المحلية شيء يقبض القلب ألماً، أن نرى أبنائنا وإخواننا في دولة الأمن والأمان، منهم المسرحين من أعمالهم وآخرون يبحثون عن عمل، حيث يجب التعامل مع هذين الملفين الشائكين بتودد ورحمة وشفقة؛ لأنهم هم أبناء الوطن وعماد الأمة ومستقبلها الزاهر، فمشكلتهم مشكلة الوطن بأسره، ولا يمكن للوطن أن يقوم ويصعد إلا بهامات أبنائه وعطائهم ومشاركتهم، فهم الثروة الحقيقية لهذا الوطن وكل الثروات ستنضَب ولا يبقى لها أثر إلا ثروة الإنسانية الشبابية، فهم شباب الوطن حصنها وحصينها لن يستغنى عنهم الوطن ولا من يعيش على هذا الوطن، فهم حركتها وهم الساعد الأيمن لمن عاش على تراب هذا الوطن مهما رأينا من حركة وجهود وبذل وعطاء لمن جاء لهذا الوطن لكسب العيش.
فلو جئنا وأخذنا بهذين الملفين العظيمين لوجدنا أن الجميع له حقوق ولابد أن تتوفر لهم هذه الحقوق شئنا أم أبينا فهم مفاتيح هذا الوطن لتحقيق الأمن والاستقرار وإعلاء شأنه.
فعندما نريد من هذا الشاب أن يشارك في بناء وطنه، فأنه يجب على جهات الاختصاص توفير المكان الخصب لهذا الشاب ليؤدي واجبه المقدس عليه لهذا الوطن وأمته ومجتمعه، ونحن لا نغفل أن هذا الشاب باستطاعته أن يتقلد جميع الواجبات المناطة له حسب ما أتيح له من تعليم، فإذا نظرنا إلى أصحاب الشهادات فإننا بلا شك ننظر لهم نظرة تأمل أن هؤلاء لم يحصلوا على هذه الشهادات إلا وسبقها تعب وإرهاق وتفاني حتى حصلوا على هذه الشهادة سواء كان من طرف الدولة أو من ولي الأمر، كذلك علينا أن نثمن جهودهم، ومثابرة ذلك الشاب الشخصي فهو منع نفسه عن أي شيء أثناء فترة دراسته إلى أن استلم إفادة التخرج أو الذين حصلوا على شهادة الثاني عشر هؤلاء ليسوا أقل جهد ومثابرة وعطاء سهروا الليالي والنهار تحت أجنحة تقلبات النفس سواء كان صيفاً أو شتاء فعطائهم مستمرا حتى تتحقق أحلامهم وأهدافهم لنيل الشهادة العامة.
وعلى صعيد ملف المسرحين من العمل هنا لابد أن نقف وقفة إجلال مع هذا المُسرَّح من العمل فهو بحث عن العمل في بدايته وحصل عليه وعقد آمال حياته لهذا العمل فقام يقارع بحياته ويسعى لتأسيس آماله وتطلعاته فأخذ منحنى للانطلاق بمشواره على أنه فرد مشارك في هذا الوطن العزيز وأخذ طريق العمل في أي قطاع من قطاعات العمل التي تجلب له الاستقرار والحياة الكريمة ولا يفكر أنه يوماً ما يتم الاستغناء عنه حيث يجد ويجتهد ويقطع مئات الكيلو مترات، ليجدد نشاطه في ميدان العمل.
وعلى أنه يرغب أن يستقر ويشارك في رفع عطائه ومشاركته، فأخذ يفكر ويتريث ماذا أعمل بعد ما حصلت على هذه الوظيفة؟، ها أنا الآن محتاج للبيت لأستقر فيه، وكذلك أحتاج لزوجة صالحة لتكون حياتي أكثر استقرارا، لكن كله هذا لابد أن أجد حلا سريعا، ولو أنني وفرت مبلغ من راتبي الشهري، هنا يحتاج لسنوات طويلة ليحقق آماله وتطلعاته، ولكن لابد له أن يسلك طريقتين إما الجمعيات أو أحد البنوك، وما أدراك عن البنوك في عصرنا هذا من فوائد وغيرها من الالتزامات الأخرى لذلك البنك، هذا كله ليبني له منزلا أو يتزوج وليستقر هو وعائلته ويشارك في بناء وطنه جنبا إلى جنب مع إخوانه وأصحابه الذين سبقوه في مجال الحياة.
وللأسف يأتي يوماً وتنقلب أحلام ذلك الشاب ويأتيه خبرا أنه تم الاستغناء عنه ويتم تسريحه! يا ترى ما هو موقفه! هنا انقلبت حياته من السرور إلى خيبة أمل ما ذنب ذلك الشاب؟ المشكلة أنها ليست فقط في تسريح هذا الشاب ؟ بل أنك هنا ألحقت أضرارا فادحة وقطعت أرزاق خلق الله الذين كانوا لديهم الأب والأم والأخ والأخت والزوجة والأبناء، غير أن هناك على هذا الشاب وعود إلزامية عليه توفيرها مع صرف هذا الراتب من أقساط وجمعيات أو بنوك؟ أين الدراسة الاستراتيجية لفصل ذلك الشاب؟ أين دور وزارة العمل؟ أين دور الرقابة المالية؟ أين دور أهل الرأي والمشورة؟ هذا يعتبر تدميرا شاملا لأسرة بأكملها، ما بالك عندما يتم فصل المئات من المواطنين، وهذه تعتبر خسارة على الوطن والمواطنين، فلماذا لا نحسب حساب لذلك المسرح! أم أن هناك اتفاق بين أطراف المصالح، لنرى تراكم الملفات في أروقة المحاكم والإدعاء العام ومراكز الشرطة! أم المقصود كله لتفكيك الأسر العمانية لعدد ما يتم تسريح شبابنا من مقر أعمالهم .
هنا لا بد أن تقف جهات الاختصاص لحل هذين الملفين، ووضع قاعدة انطلاق ومنع تسريح العاملين المخلصين منهم لعملهم ووطنهم، كذلك يجب على جهات الاختصاص أن تبادر من ذاتها لإيجاد وخلق وظائف للشباب والشابات بدون أن يلجأوا إلى ميادين التظاهر السلمي حتى أننا نستطيع أن نتفاخر بالوطن ونخلق بين أطفالنا وشبابنا حب الوطن ليكون لهذا الشاب الدور الفعال لتحصيل العلم والمعرفة حيث أنه ستكون لديه قاعدة أساسية كلما تعلم وكلما وجد على وظيفة.
وعلى جهات الاختصاص من وزارة العمل والنقابة العملية ومن مجلس عمان بأكمله أن يكونوا بجانب هذا المواطن لتوفير العيش الرغيد في وطنه، حتى لا نكون ضد هذا الشاب ونغرس فيه أفكارا لا تحمد عواقبه وتضر ظروف الدهر به ويفقد ساعد أسرته التي كرَّس حياته على إنشائها وقبل ما يجرجر إلى المحاكم ويكون في قفص الاتهام ويُرمى به مع المتهمين في السجون.
ولو أننا وقفنا وقفة صمت لنفكر في ظروف هذا الشاب المسرح من عمله وأخذنا بعض التساؤلات مثلاً: ما مصير هذا الشاب بعد التسريح عن العمل؟ ما مصير والد ووالدة هذا الشاب؟ ما مصير زوجة وأطفال هذا الشاب؟ ما مصير حياته بعد أن يقرقع هذا الشاب في أروقة المحاكم؟ هل القانون العماني لم يلاحق هذا الشاب؟ أعتقد بعد صدور الحكم عليه سيصبح ملاحق قانونياً ويصبح مجرما بذلك الحكم لأدائه الحقوق سواء للجمعيات أو البنوك أو توفير مستلزمات الحياة لأهل بيته من والديه وأطفاله وزوجته، هنا أصبحت أسرته متفككة وكلاً في طريقه حيث أنه لم يفِ ويسدد ما عليه للبنك والجمعيات ووفر لقمة العيش، وأصبح من مواطن طموح ومثابر ورب أسرة إلى مواطن غير منتج وغير مشارك في بناء الوطن.
وفي هذا السياق لابد لنا أن نأخذ الملف الثاني ألا وهو ملف: الباحثين عن العمل: إنهم شباب في ريعان شبابهم درسوا وواصلوا دراستهم، منهم من أخذ شهادات عليا، ومنهم من وصل إلى الصف الثاني عشر، ومنهم من لم يحالفه الحظ لمواصلة الدراسة لعدة أسباب لا حصر لها، لكن سأبين منها لعزيزي القارئ: منهم من ظروفهم أجبرتهم والحالات النفسية والعائلية ومنهم من لا يوجد لديهم من ينفق عليهم أو انه لا يوجد لديهم دخل يفي بمتطلبات الحياة ويختارون الطريق الصحيح وهو البحث عن العمل، بدلا من التسكع في متاهات الحياة وقد يغرون من شياطين الإنس لعمل أو فعل شيء يضرهم ويشوه سمعتهم وسمعة أهلهم وبلادهم، هنا يجب على الجميع من الجهات الرسمية او الأهلية الوقوف بحزم مع تلك الفئات الذين هم في ملف الباحثين وتوفير لهم فرص عمل واستغلال مواهبهم وقدراتهم والأخذ بهم إلى الطريق الذي يشرق لهم ولأهلهم ووطنهم طريق مشرق يسوده التكاتف .
وعلى جهات الاختصاص أن تنظر بنظرة تأمل وشفقة لهؤلاء الشباب إن لم تتوفر لهم فرصة عمل فيا ترى أين سيذهبون؟ هل يراد بهم إلى التطاول لفعل ما لا يرضى الله ولا ولي أمره ولا المجتمع ولا الوطن، ويصبح شخصا منبوذا من المجتمع! فالوطن عزيز والشباب لابد أن يكونوا أعزّاء بوطنهم الشاب، فهم يرضون بالقليل ونعتبر نحن من الشعوب المتحظرة ولو كلّ شباب وفر له راتب (٥٠٠) خمسمائة ريال في وطنه سيعتزون بوطنيتهم ويزاد معهم حب الوطن فهم لا يبخلون بما حباهم الله من فكر وقوة وعلو وهمة ونشاط، فالوطن- خط أحمر- لا يرضون المساس به وسيجعلون وطنهم تاجاً على رأسهم، شعب مجتهد وشباب صبور، يتحملون لأجل الوطن كل شيء يصبرون عليه.
هُنا نطالب جهات الاختصاص الوقوف بجانب المسرحين والباحثين عن العمل، فعُمان بخير بشبابها، فما عليكم إلا أن تستغلوا موارد الشباب لا موارد المحسوبية، وهناك فرق شاسع بين هاتين الفئتين، فشبابنا جاء بنفسه باحثاً عن لقمة العيش يرغب أن يعيش بها لنفسه ومن يعولهم، وباحثاً يأتيكم بالمحسوبية فقط ليمسك عملا لا حاجة له في رغد العيش ولا يريد أن يعيش على من يعوله.
حفظ اللّه تعالىٰ وطننا عُمان وشعبها وسلطانها جلالة السلطان هيثم بن طارق أعزه اللّه وأبقاه فخراً وملاذاً لنا.