العودة للصلاة في المساجد بين التأييد والتحفظ
خلفان بن ناصر الرواحي
منذ إعلان اللجنة العليا المكلفة للتعامل مع جائحة كوفيد ١٩ عن السماح بفتح الجوامع والمساجد من جديد وفق الضوابط والشروط المعلن عنها؛ فما يزال الوضع قائماً بين المؤيد والمتحفظ، وكلا الطرفين له مبرراته، وهذا بلا شك طبيعي في السلوك البشري، فمن المستحيل أن يتم التوافق على رأي واحد، وكل ذلك يعتمد على الأسباب التي تحيط بالأمر وقناعاته الشخصية التي يستند عليها، ومنها مؤشرات أرقام الإصابات والوفيات، وتوفر اللقاحات، وتضارب الأقوال حول فعالية اللقاحات، وما يعتريها من غموض أو شكوك من البعض.
بطبيعة المتشوّق والمتعلّق قلبه بالمساجد يجد نفسه في لهفة للعودة إليها في أي لحظة مهما كان الأمر مع الأخذ بالأسباب، والتقيد بالشروط والضوابط المترتبة، وهناك فئة أخرى لديها نفس الشعور ولكن ما زالت متخوّفة للعودة، وذلك نتيجة الخوف والقلق الذي يتصارع معه بين الذهاب أو عدم الذهاب للمسجد، ويظل هكذا متردداً ويتخذ بعضاً من الأسباب التي أشرنا إليها سابقاً ذريعة له، ولكنه نسي شيئاً آخر لم يحسب له حساب، ألا وهو الذهاب للأماكن العامة، والأسواق، والتجمعات، وغيرها من الأمكنة العامة الأخرى، ويرى أن العودة للصلاة في المسجد هي أكبر خطراً عليه من تلك الأمكنة، ولو حسبنا الوقت الذي سوف يبقى فيه بالمسجد للصلاة لا يتجاوز نصف ساعة كحدٍ أقصى، ويختلف ذلك من مسجد لآخر وفق الاتفاق بين وقت الأذان وإقامة الصلاة إن كان يحضر وقت الأذان إلى أداء صلاة الجماعة والسنن والنوافل، أما إن كان يؤدي صلاة الفريضة مع الجماعة فقط فلا يتجاوز ذلك أكثر من ربع ساعة كحد أقصى، فهنا نتساءل أيهما أفضل أداء الصلاة في جماعة بالمسجد أم أداءها منفرداً في البيت في حالة عدم وجود سبباً مقنعاً يمنعه من الصلاة في المسجد؟
بالإضافة إلى ذلك فإن صلاة الجماعة في المسجد لها عدة فوائد أخرى، ومنها: لقاءك بالجيران والأصدقاء والأصحابِ الذين منعتك ظروف الجائحة أن تراهم أو تلتقي بهم خلال فترة الانقطاع عن صلوات الجماعة في المسجد، ناهيك عن قدسية ومكانة المسجد، وجمال اصطفاف المصلين في جماعة مع الإمام، ورجوع الحياة للمسجد بالصلاة والذكر والخشوع وأجر الأداء.
نعم هناك فئة لديها العذر الصحي والشرعي والتعليمات الطبية بعد أخذ لقاح التحصين من عدم الحضور لأداء الصلاة في المسجد، ولكن يبقى الأمر للذين ليس لديهم العذر إلا للأسباب التي ذكرناها في البداية، وأصبحت الشماعة التي يتمسك بها أمثال هؤلاء وغيرهم، مع تقديرنا لوجهة نظرهم فإننا نلتمس منهم مراجعة الأمر، والتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، والتقيد بالإجراءات الاحترازية التي وضعت واشترط التصريح الالتزام بها.
حفظ الله الجميع من كل بلاء ورفع عنا كل مكروه، ووقانا شر الداء، إنه سميع مجيد.