مجتمعات التعلم المهنية الرقمية
د. رضية بنت سليمان الحبسية
أستاذ الإدارة التربوية المساعد بجامعة نزوى
لقد ساعدت الثورة الرقمية والمعرفية على تطوير أساليب التدريب والتنمية المهنية للمعلمين، بما ينعكس على جودة المخرجات التعليمية التعلمية. الأمر الذي يتطلب معه امتلاك المعلمين للمهارات والكفايات اللازمة لمواكبة التعليم في العصر الرقمي، لذا برز مفهوم مجتمعات التعلم المهنية الرقمية، كأحد الاتجاهات التربوية الحديثة للعمل في مجموعات مهنية تعاونية؛ لتحسين أداء المعلمين أثناء الخدمة، الذي يتطلب تغيير أساليب العمل من الأساليب التقليدية إلى الأساليب التقنية التي تمكنهم من التعامل مع المستجدات الحديثة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وللعصر الرقمي والتقني تأثيرات على أنظمة التعليم بجميع مجالاتها، والتي تفرض على القيادات التربوية والمختصين، العمل على مواكبة معطياته، والاستفادة منه في تطوير المناهج، والأساليب الإشرافية والتقويمية، بالإضافة إلى التنمية المهنية للمعلمين، حيث لا يمكن أن يبقى المعلمون في منأىً عن التطور الحاصل في مجال التقانة وتكنولوجيا المعلومات؛ نظرًا لارتباطهم المباشر بعمليّتي التدريس والتعليم، إذ لا مفرّ من الاستجابة لمبررات الأخذ بمجتمعات التعلم المهنية الرقمية، والتي تأتي في مقدمتها:
التطور التكنولوجي وانعكاساته على العملية التعليمية ذاتها، وبناء الكوادر المعلوماتية التي تنشدها المجتمعات في العصر الرقمي، بالإضافة إلى التغير الذي طرأ على أدوار المعلم من ناقل للمعرفة إلى ميسّر وموجّه للمتعلمين.
وفي إطار تفعيل مبدأ مجتمعات التعلم المهنية الرقمية، فإنّ الأدوات التكنولوجية والوسائط التقنية تساعد في الوصول إلى المعارف، وتبادل الخبرات بين أعضاء المجموعة المهنية الواحدة، إذا ما تمكّن المعلمون من استخدامها بشكل جيد، وبالتالي سدّ الفجوة بين المعرفة والممارسة، من خلال التطبيق المباشر والتأمل في الممارسات اليومية، وتطويرها بشكل مستمر.
وهي بهذا المفهوم فإنّ مجتمعات التعلم المهنية الرقمية توفر فرصًا جديدة وأساليب حديثة لتطوير أداء العاملين مهنيًّا، كما تتخطى عامل الزمان والمكان، في تدريبهم وتنميتهم باختلاف الحدود المكانية أو الحدود الزمنية.
ولضمان نجاح مجتمعات التعلم المهنية الرقمية، لابد من تولد وعي وقناعة تامة لدى منسوبي المدرسة الواحدة، الإداريون والمعلمون، بأهمية وفعالية هذا النوع من أساليب التنمية المهنية، والتي تحتّم وضوح الهدف والتخطيط الجيد لتفعيلها، كذلك تدريب المعلمين على مهارات استخدام البرامج الالكترونية، والتفاعلية، والوسائط المتعددة؛ لتوظيفها في التواصل مع أعضاء المجموعة، وتطوير ممارساتهم التدريسية.
كما تتطلب مجتمعات التعلم المهنية الرقمية، تقديم الدعم بشقيه المادي والنوعي؛ لتحفيز المعلمين على الاستمرار في بذل الجهود الفردية والجماعية لتحقيق الرؤية المشتركة فيما بينهم، على أن يتم تكريم أعضاء الفريق اعترافًا بجهودهم ونجاحهم في تحقيق الأهداف المتفق عليها.
الختام:
إنّ كفاءة المخرجات التعليمية بما يتناسب ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة، وبما يحقق الميزة التنافسية، تعتمد بدرجة كبيرة على جودة أداء المعلمين، مما يجعل مواكبة فلسفة التدريب والتنمية المهنية للمستجدات الحديثة في هذا المجال أمرًا إجباريًّا لا اختياريًّا.
لذا ينبغي إيجاد بيئة تعلم مهنية حاضنة للإبداع الرقمي؛ وفسح المجال للمعلمين على تجريب استراتيجيات تعلم مهنية جديدة، توظّف من خلالها أدوات وتقنيات التكنولوجيا الحديثة، ومنح العاملين الثقة والصلاحيات اللازمة لتفعيل أوعية وأساليب مجتمعات التعلم المهنية الرقمية، مع دعم وتشجيع المبادرات الرائدة في هذا المجال. بالإضافة إلى التوسع في تطبيق مجتمعات التعلم المهنية الرقمية على مستوى المجتمع المهني المدرسي بأكمله: إداريون، فنيون، معلمون، وطلبة؛ للاستفادة القصوى منها على اعتبارها استراتيجية تطوير مهني مستمر.