هل نبحث عن وظيفة ام مصدر دخل!؟
علي بن محمد الحامدي
مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة أزر
للهندسة والاستثمار القابضة
لا زلت أفكر بعمق في موضوع المطالب بتوفير الوظائف لكل من انهى دراسته من ابنائنا الشباب والشابات في مجتمعاتنا الخليجية النامية والتي تبحث حاليا عن مخرج استراتيجي يحررها من رق الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي..
لقد واجهت نفسي بهذا السؤال الكبير والمقلق في ذات الوقت. هل باستطاعتنا توليد وظائف وبشكل مستمر ومتصاعد سنويا وبصورة مرضية ومحققة لطموح أبنائنا وبناتنا؟ !!
ويتفرع عن هذا السؤال الكبير اسئلة أخرى أكثر تحديداً.. ما هي عدد الوظائف التي يمكننا توليدها سنويا؟ وهل باستطاعتنا الوفاء بالالتزامات الوظيفية من علاوات وترقيات واستدامة؟ وكم هو الحد الأدنى من الاجور الذي يمكننا احتماله والوفاء به؟.
اعتقد اننا بحاجة إلى التفكير العميق واعادة الأمور إلى مآلاتها الحقيقية حتى نستطيع أن نساهم في الإجابه عن هذا السؤال والأسئلة المتفرعة عنه.
المآل الأول: نعلم يقينا إنه من الاستحالة بمكان ولأي اقتصادٍ نامٍ في أية دولة مهما كانت قوة اقتصادها أن يحتمل عملية توليد الوظائف بشكل مرضي ومستمر وكافٍ لجميع افراد المجتمع.
فالوظيفة في حد ذاتها جزء من العملية الإنتاجية في أي اقتصاد وليست هي المنتج النهائي المقوم ماليا. وتولد حسب الحاجة الفعلية للعملية الإنتاجية. وتحدد تكلفتها ومدتها الزمنية ومواصفاتها ومؤهلات شاغليها وخبراتهم بحسب ما يتوقع من مساهمتها في زيادة العملية الإنتاجية ودعمها المستمر. ومتى ما تقلصت تلك المساهمة تقلصت معها تكلفة الوظيفة حتى تنتهي بالالغاء الكلي. ولهذا نشاهد وبشكل واقعي وملموس عمليات تسريح الموظفين وفق متغيرات السوق المحلي والعالمي وتقلباته المستمرة. فلا آمان مع الوظيفة مهما كان حجم المؤسسة وقوتها.
المآل الثاني: الباحث عن الوظيفة في حقيقته هو باحث عن مصدر دخل يغطي احتياجاته المعيشية من المال حاليا ومستقبليا. ولذلك لو وجد مصدر دخل متنامي وشبه مضمون وإن كان بجهد أكبر من جهد الوظيفة فإنه حتما سيفضله عن الوظيفة التي لا يتناسب دخلها المالي مع الزيادة المضطردة والنمو المستمر في متطلباته المعيشية.
المآل الثالث: أن عملية توليد الوظائف مقتصرة حاليا على القطاع العام (الحكومي) وبشكل خجول من القطاع الخاص. وتأتي من خلال الاستثمار في المصادر المتعددة للموارد الطبيعية وأهمها النفط والغاز والصناعة وبشكل ضعيف في الأسماك والزراعة والسياحة والتعدين والخدمات اللوجستية للموانئ والمطارات.
المآل الرابع: المجتمعات الخليجية ومنها مجتمع السلطنة كأسر او كافراد تعتمد في أغلبيتها الساحقة على الوظائف المتولدة من القطاعين العام والخاص وتنتظر وتطالب بقوة من أجل توفيرها وتعتبرها حق أصيل من حقوقها. ولا تلام على ذلك. فالثقافة المجتمعية التي ترسخت في الافراد والاسر على مدى الحقبة الماضية حيث الثورة والثروة النفطية العملاقة في هذه المجتمعات قاطبة وليس في المجتمع العماني فقط، إن مصدر الدخل الوحيد للفرد وللاسرة هو الوظيفة وإن الحكومة ملزمة بتوفيرها وضمان استمراريتها وكفايتها مهما كانت التحديات.
وقد نشأ من ذلك اتكالية ضخمة أدت إلى تسليم دفة القيادة في كل قطاعتنا الانتاجية والخدمية فيما لا تعمل فيه المؤسسات الحكومية والخاصة، إلى العمالة الوافدة والتي وجدت في هذه القطاعات مصادر دخل وفيرة وكبيرة جعلتها تفضلها عن الوظيفة التي قدمت من أجلها. ولك على سبيل المثال لا الحصر لك إن تتفقد البقالات والمراكز التجارية والمناطق الصناعية التابعة للبلديات وأسواق الخضار والفواكة واللحوم والدواجن وحتى الاسماك والمطاعم والمقاهي والخدمات السياحية والمهنية المتعددة والمزارع وغيرها.
فإنك لن تجد من يشغلها ويعمل فيها إلا العمالة الوافدة فقط إلا ما ندر. وتستثنى من هذه القاعدة في السلطنة ولاية نزوى في محافظة الداخلية والتي اعتاد المجتمع ككل ان يعمل في كل المهن وفي كل القطاعات دون تردد او خجل. ولذلك قلما تجد العمالة الوافدة تعمل هناك إلا على مستوى المؤسسات فقط.
الحلول والتوصيات
إن إعادة المآلات التي استطردنا في الحديث عنها إلى مسارها الحقيقي لكفيل في اعتقادي بحلحلة ملف الباحثين عن عمل.
إن دول الخليج قاطبة تعمل على تنويع مصادر الدخل لديها بعد قناعتها الإستراتيجية بأن الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد يمكن إن يؤدي بها إلى الانهيار مستقبلا. إن نقل هذه الإستراتيجية في تنويع مصادر الدخل إلى الشعوب الخليجية كثقافة مجتمعية واعية اصبح ضرورة ملحة.
فالفرد والاسرة في المجتمعات الخليجية يجب إن يتحررا من رق الوظيفة كمصدر دخل وحيد إلى فضاء تنويع مصادر الدخل من خلال المشاركة الفعلية في استغلال كافة الموارد الطبيعية وفرص الاعمال جنبا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية والخاصة.
فالفرد المحترف والاسرة المحترفة في أية مهنة كانت، انتاجا ام تصنيعا ام خدمات، يجب دعمها مجتمعيا وحكوميا. وأول هذا الدعم هو الاعتراف به مجتمعيا واحترامه وتقديره وافساح المجال له في المجتمع لكي يقدم ما لديه من منتجات او خدمات حتى يتطور وينمو.
ولنا في ذلك تجربة عمانية رائدة في ولاية نزوى بمحافظة الداخلية كما ذكرنا سابقا.. فهذه التجربة المحلية ينبغي التركيز عليها والعمل على الترويج لها في كافة المجتمعات الخليجية لكي نستطيع إن نقنع الافراد والاسر بأن العمل المهني الحر افضل بكثير من العمل الوظيفي. وأنه وإن اكتنفه بعض الصعوبات لكن العائد من ورائه كبير وكثير.
واما الدعم الحكومي فأنه أمر حتمي حتى يقتنع بها الفرد والاسرة معا. فتوفير المظلة الحمائية الاجتماعية للفرد والاسرة المحترفين من خلال الراتب التقاعدي عند العجز او المرض أمر لابد منه.
اضافة الى تسهيل الإجراءات والتمويل اللازمين أن تطلب اجراءً حكوميا او تطوير للعمل المحترف لكي يصبح مؤسسة صغيرة. مع اعتبار الفرد المحترف والاسرة المحترفة فردا منتجا واسرة منتجة لهما كافة الامتيارات المجتمعية من الاحترام والتقدير ورفع الشأن واعتبارهما اعظم مكانة من الموظف حتى ولو كان وزيرا او مسوولا كبيرا في اية مؤسسة حكومية او خاصة.
إن حسن توجيه الافراد والاسر لاستغلال الموارد او فرص الاعمال المتوفرة واعتبار ذلك افضل بكثير من السعي للحصول على وظيفة لكفيل بتعظيم الإنتاجية وتحقيق الرفاه وتحسين المعيشة.
وكأني بالمثل الصيني حاضرا لدي الان وهو يقول: لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد.. واقول متابعا له في نهاية هذا المقال على لسان كل باحث عن عمل:
لا تعطني وظيفة ولكن علمني كيف احترف.