ورقة الخريف الخائنة

شيماء بنت سعيد الرقادية
عندما تأتي الرياح الخريفية، تتساقط الأوراق واحدة تلو الأخرى، وكأنها تتبع قانونًا طبيعيًا لا مفر منه. ولكن، ماذا عن تلك الورقة التي لم تسقط؟ الورقة التي بقيت متشبثةً بغصنها، بينما تراقب سقوط أخواتها؟ البعض يراها خائنة لأنها لم تشارك مصير بقية الأوراق، بينما تراها الشجرة وفيةً لأنها لم تتخلَّ عنها. وعندما تمر الفصول، يصبح بقاؤها تمردًا في نظر البعض، ووفاءً في نظر آخرين. هكذا وصف سقراط الموقف، تاركًا لنا تساؤلًا عميقًا حول نظرتنا للأحداث والمعايير التي نقيس بها الحقائق.
المعنى الفلسفي الذي يمكن استنباطه من هذا النص السقراطي هو أن الحقيقة ليست مطلقة، بل تعتمد على زاوية النظر التي ينطلق منها كل فرد. الورقة التي لم تسقط في الخريف قد تكون خائنة في نظر الأوراق الأخرى التي استسلمت، لكنها في نظر الشجرة تمثل الإخلاص والتشبث بالحياة. وعندما تمر الفصول، قد تصبح رمزًا للتمرد، لأن الطبيعة توقعت منها أن تتبع النمط العام.
هذا المفهوم يتماشى مع فكرة النسبية الإدراكية التي ناقشها الفلاسفة عبر العصور. فالحكم على الأشياء يتغير بحسب السياق الذي نضعها فيه، وبحسب القيم التي نعتمدها للحكم.
سقراط كان دائمًا يشكك في المسلّمات، ويحثّ الناس على التفكير خارج الإطار الذي اعتادوه. لو كان حاضرًا في هذا الموقف، ربما كان سيسأل: من يحدد ما هو الصواب؟ هل الوفاء للشجرة يعني خيانة للأوراق؟ هل التكيف مع الطبيعة خضوع أم حكمة؟ الأسئلة السقراطية تدفعنا إلى رؤية الأمور من زوايا مختلفة، بدلًا من قبول الأحكام الجاهزة.
لو أخذنا هذا المفهوم إلى الواقع، فسنجد أن العديد من المواقف تُحكم بعيون الجماعة، وليس بحقيقة ثابتة. من يتمسك بمعتقداته أمام موجة التغيير قد يُعتبر رجعيًا أو وفيًا، حسب من ينظر إليه. ومن ينسجم مع التيار السائد قد يكون حكيمًا في نظر البعض، وخائنًا لمبادئه في نظر آخر.
ورقة الخريف التي لم تسقط هي رمز للموقف الذي يتغير تفسيره بتغير الزاوية التي يُنظر إليه منها. سقراط، بنهجه الجدلي، يذكرنا بأن الحقائق ليست دائمًا كما تبدو، وأن كل موقف يحمل داخله معاني متعددة. السؤال الأهم ليس: هل الورقة خائنة أم وفية؟ بل: من الذي يملك الحق في إطلاق هذا الحكم؟