ما تميز به الأديب إبراهيم المازني
د. علي زين العابدين الحسيني
في أحاديث إبراهيم المازني الإذاعية التي كان يلقيها على مسامع الناس عبر الأثير بيانٌ لمنهجه الخاص في هذه الحياة بصورة ممتعة ومشوقة، وقد جُمعت في كتاب “أحاديث المازني”، واتسمت بأسلوبه الفريد في عرض ومناقشة الموضوعات، وله فيها نظراته الخاصة التي هي في حقيقة الأمر فلسفته الخاصة لواقع الحياة وشؤون الناس، ومنها أنّ أولّ شيء تعلمه من حياته المليئة بالأحداث أن يتلقى كلّ حال فيها بالرضى والصبر والقبول، فيكون في كلّ ساعة كما تشاء الساعة، ويقصر همه على ما هو فيها، فلا ينظر إلى ما خلفه من الحياة، وهو كذلك لا يحاول أن يمد بعينيه إلى ما هو مستور عنه، فيحيا بذلك كلّ يوم بيومه، حاله هذا أشبه ما يكون بالعامل الفقير الذي يكسب رزقه بتعبه كلّ يوم، ولا ذخيرة عنده من مال يتكئ عليها، وهكذا حياة الأشخاص ليس فيها إلا ما يسرنا تارة، ويؤدبنا طوراً، ويهزل معنا مرة، ويجد معنا أخرى، وفي لحظة صدق مع نفسه أقرّ أنه ما من شيء في هذه الدنيا يستحق أن تغالي فيه، أو تخاف منه، فسيمر بك خيرٌ كثير، وسيأتي عليك كذلك منها أيام شديدة فكن على علم بذلك.
ليست الغاية من قراءة الكتب هي مجرد القراءة، بل هناك معاني أسمى من ذلك، وأجلها الاستفادة الفعلية من هذه القراءة في الجانب الحياتي، على أن أعظم ما يعاب في قراءة الكتب المجردة دون الوعي الكامل بها أنها تعطينا المعارف فقط، بيد أن كثيراً منها لا تعلمنا المنهج أو الطريقة التي يمكننا به أن نَحْصل على هذه المعارف أو نستزيد منها، ولعلّ من أبرز الكتّاب الذين يختلط مخزونهم المعرفي بتفكيرهم الشخصي هو الأستاذ إبراهيم المازني، فهو يمثل -بصدقٍ- حالة فريدة من توظيف المعرفة في كتاباته، فليست القراءة لديه مخزوناً من المعلومات بقدر ما هي توظيف للمقروء واستخدامه في شتى مناحي الحياة، وهذا المعنى في كتابات المازني نبّه عليه الناقد الأدبي الدكتور محمد مندور في محاضراته عن المازني، فذكر أنّ قراءاته المتعددة ساهمت في تكوين شخصيته الكتابية، فحينما يقرأ المازني النصوص يكون نصب عينيه كيفية تطبيق هذا النص المقروء في حياته، ومن أجل هذا تكون قراءته قراءة متأنية معبرة تستغرق وقتاً طويلاً في الجزء اليسير؛ بحيث يهضم الجزء المقروء إلى حد اختلاطه بدمه، ثم يتوجه بعد ذلك إلى الكتابة، وبذلك يستفيد من النصوص المقروءة في كتاباته المتعددة، ويعدّ من أكثر المستفيدين من عملية القراءة؛ لأنه يوظفها في حياته العامة، ولو قيل عن المازني كلمة لكانت أنه “يمثل مجموعة من النصوص المقروءة التي وظفها واستفاد منها بأحسن ما تكون أوجه الاستفادة”، وهذا يأخذنا إلى الاعتراف بأنّ هناك قراءً كثيرين في حاضرنا المعاصر، لكن القليل منهم مَن يستفيد من قراءاته، وليس المهم في نظري تحصيل القراءة بقدر ما يهم أن توظف المعارف الحاصلة منها في حياتك.