سياسة دعم الأجور في سوق العمل العالمي في ظل أزمة كوفيد
صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراة في تنمية الموارد البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا
تحولت أزمة كوفيد من أزمة صحية إلى أزمة اقتصادية أضرت بملايين الشركات والعمال على حد سواء، فقد دفعت الجائحة وحالات الإغلاق الناتجة عنها منذ بداية ظهورها في مارس 2020 آلآف الشركات إلى الإفلاس، وملايين العمال إلى البطالة. وفي حين تم رصد تأثير الأزمة على الوظائف إلا أن التأثير على الأجور لازال يكتنفه الغموض. وفي ظل هذا التهديد الخطير لملايين العمال سعت بعض الحكومات إلى اتخاذ إجراءات وتدابير لمواجهة آثار الأزمة.
في القطاع الحكومي، تعرضت الحكومات حول العالم لخسائر كبيرة في الإيرادات بسبب انخفاض الحصيلة الضريبية، بينما بلغت الحاجة إلى الإنفاق أعلى المستويات على الإطلاق من أجل تنفيذ الإجراءات العاجلة لدعم الأسر والشركات، ولدعم القطاع الصحي الحيوي في ظل هذه الكارثة. مما دفع الحكومات إلى إعادة النظر في سلم الأجور للموظفين الحكوميين بهدف تخفيض الأجور. وبحسب صندوق البنك الدولي، إن الإنفاق العام على الأجور يستحوذ على ربع الإنفاق الحكومي العام، حيث بلغ 24.5 % في الإقتصاديات المتقدمة و 27% في الإقتصادات النامية. ومن الدول التي اتخذت تدابير لتخفيض الأجور الإوروغواي بنسبة تتراوح من 10% إلى 20% لموظفي القطاع العام، وتنظر حكومات مماثلة على اتخاذ نفس التدابير مثل البانيا والبرازيل وراوندا، بينما فرضت حكومات أخرى مثل بوركينا فاسو سياسة التبرع الإجباري بجزء من الراتب لدعم جهود الحكومة لمواجهة الأزمة، وكوستاريكا التي علقت صرف الزيادات التراكمية المقررة على الرواتب.
وأما في القطاع الخاص والشركات فقد كان المشهد أكثر إيلاماً، فقد كان الضرر على الفئات الضعيفة من العمال أكثر حدة، خصوصاً فئة العاملين في القطاع الزراعي والعاملين في المنازل والأرياف والمنشآت الصغيرة والعاملين من ذوي المستوى التعليمي المنخفض. فبحسب تقرير الأجور العالمي الصادر من منظمة العمل الدولية في زمن جائحة كوفيد، إن 327 مليون عامل على مستوى العالم يتقاضون رواتبهم بالحد الأدنى للأجور، وتمثل هذه النسبة 19% من العاملين في العالم.
في ظل هذه الأزمة الإقتصادية الحادة سعت 40 دولة على الأقل لاتخاذ سياسات مؤقتة لدعم الأجور لمنع التسريح الجماعي للعمال، ومساعدة المنشآت على الإحتفاظ بموظفيها، ودعم انتعاش الإنتاج بمجرد انتهاء عمليات الإغلاق. كما تهدف على الأقل لضمان استمرار تلقي العمال جزءاً على الأقل من أجورهم المعتادة.
فوفقاً لمنظمة العمل الدولية، هناك 90 % من الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية تنص قوانين العمل فيها على الحد الأدنى للأجور، ولكن المشكلة الدائمة هي مدى امتثال أصحاب الشركات لهذه السياسات، حيث يقدر أن هناك 266 مليون عامل على مستوى العالم يتقاضون أجوراً أقل من الحد الأدنى للأجور لأنهم غير محميين قانوناً أو بسبب عدم الإمتثال، كما أن هناك تقديرات لمنظمة العمل الدولية تشير على أن هناك 2 مليار عامل يعملون في الإقتصاد غير المنظم، منهم 724 مليون على الأقل عامل عرضي مؤقت، وكثير منهم يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور. كما أن هناك فئتين دوماً معرضتين لخطر انخفاض الأجور دون المستوى الأدنى للأجور، وهم عمال الزراعة والعاملين في الخدمات المنزلية، وهناك 29 دولة بعض أو كل هاتين الفئتين غير مشمول في لوائح الحد الأدنى للأجور.
في المستقبل القريب ترجح المنظمات الأممية أن تستمر أزمة كوفيد بالتأثير على الإقتصاد والأجور وتدفعها باستمرار إلى الهبوط ، وعليه من الضروري تدخل الحكومات بقوة القانون لتطبيق سياسة الحد الأدنى للأجور ولدعم الأسر والمنشآت لضمان بقائها في دائرة المنافسة. وتوجيه الإستثمارات إلى قطاعات نشطة وعصرية وتستوعب أعداداً هائلة من العمالة في مجالات التقنية والبرمجيات والتجارة الإلكترونية والتسويق الالكتروني، وغيرها من القطاعات التي أظهرت الأزمة الحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى.