الأثرياء الطارئون لا تنسوا حق الوطن ..
سلطان بن خلفان بن سالم اليحيائي
يحكى في الزمن الماضي أن أميراً كان مُقبلاً على معركة مصيرية حاسمة مع العدو، فأراد أن يختبر قادته المقربين من حول عرشه، على صدق طاعتهم لأوامره قبل خوض المعركة، فجمعهم حوله وقال لهم؛ سأطلق سهمي على هدف وأردتكم أن تفعلوا مثلما فعلت ..
فأخذ القوس وصوّب السهم على حصانه فأرداه قتيلاً ..
وبدون تردد قامت مجموعة بذات الفعل، وأطلقوا الأسهم على أحصنتهم إلا فئة قليلة منهم أستهجنوا فعلته، فلم ينفذوا الأمر… فأستلّ الأمير سيفه وجندل روؤسهم على الأرض، وكانت حكمته في ذلك أنه لو لم يقتلهم لكانوا سبباً حقيقياً للهزيمة في معركته المقبلة… لأنهم آثروا حب الثروات والكنوز إذا ما قيست (بالأحصنة) على إطاعة أوامر أميرهم، والتضحية من أجل كرامة شعبهم، والحفاظ على عزة وطنهم.
العبرة من القصة…
أشعرتني بألم وحسرة لواقعنا المر الذي نعيشه في الوقت الحاضر مع أُناس يعيشون بيننا حالهم حال الجميع…
فجأة أصبحوا أثرياء (طارئين)! فلمعت أسماؤهم وتزينت شخصيّاتهم بأثواب الوجاهة والهيلمان، وغدوا تُضرب بهم الأمثال، وتقال فيهم الأشعار، وتطلق عليهم ألقاب الشرفاء والكرام؛ ممّا حملهم ذلكم النفث والنفيخ بأن يدّعوا في كل محفل وإحتفال، ويتصدرون الصف الأول، من منطلق الشعور الداخلي بالإخلاص وصدق الإنتماء، ومستعدون للتضحية بالنفس والغالي والنفيس محبةً وتفانياً من أجل الوطن..
ولكن؛ ومع أول(مواجهة صعبة) يواجهها وطننا- وسمّها عزيزي القاريء بما شئت..!، برز لنا معدنهم، بل وحقيقتهم
وانكشف لنا زيف إدعاءاتهم بتلك الصفات السامية التي تظاهروا بها زوراً ووزراً، ولم نر منهم إلا جفاء الزَبَد، متبوعاً بالتملّص والنكران والجشع !!
بالطبع؛ لا يفهّم الفهيم بأمر مفهوم، والمشاهد يشهد بما نعيشه يوماً تلو يوم عن واقع الوضع الاقتصادي الذي تمر به بلادنا العزيزة، ولا يكاد تخلو جلسة من الجلسات إلا وكان هذا الأمر صلب الحديث؛ لأنه وبإختصار همٌّ مهم، ويهتم به كل مواطن صالح ومصلح ..
ومن قبيل الإحساس بالمسؤولية فالسواد الأعظم من الناس بألسنتهم تحدثوا، وبأصواتهم نادوا، وبأصابعهم أشاروا، وبأقلامهم سطروا وعبّروا، والمؤمّل في ذلك لعل يصل الصدى لتلك الفئة المخمليّة، والمعروفة والمعرّفة بأمتلاكهم الكنوز والثروات، ولا يخفى على كل ذي لُب كيف وصلوا- إن لم يكن وصّلوا- لذلك المستوى من الثراء، حتى صارت أسماؤهم على رأس قوائم أثرياء العالم، وهو واضح وملموس أمام الأعمى قبل البصير، ولدى البعيد قبل القريب، وكأن لسان حالهم يقول لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولن يخطر ببالي أن أبادر بما أنتم له متأمّلون ..
وعطفاً على ذلك لم يظهر منهم أو عنهم موقف من المواقف الخيرية المرجوّة والمنتظرة، وأتساءل مثل غيري متى ياترى ستفيق ضمائرهم، وترشدهم بأن للوطن حقٌّ عليهم، وهم لحقه حتى الحلقوم له مدينون؟!
أم إنهم وقع عليهم قول ربنا:
{صمٌ بكمٌ عميٌّ فهم لا يرجعون}- سورة البقرة 18-، ولجلد النفس الأمّارة بالسوء؛ لما لا يسألوا أنفسهم؛ ماذا كانوا قبِل الوظائف يمتلكون، وكيف غدَوَا في بضع سنوات بكنوز قارون يمرحون؟! (واللبيب بالإشارة يفهم).
وقفة للإعتبار،،
أيها الأثرياء الطارئون ..
بما إن باب التوبة عند ربنا لحين الغرغرة مفتوح، فكذلك الطريق لحساباتكم بالبنوك سالك ومعروف..
فارحموا المروءة التي تندب حظها، واحترموا الأرض العمانية الشريفة التي احتضنتكم ونشأتم عليها، وامتثلوا لطيب الأعراف والتقاليد التي تربيتم عليها، وذاك الغريب يغبطكم عليها..
فلا تنسوا أنفسكم، فأنتم تنتمون لسلطنة صيتها يباري الثريا، ولو لم يكن غيرها بلد بالجزيرة العربية فهي للكل مستقراً ومأوى..
لذا فأنتم مطالبون اليوم قبل الغد بحق لهذا الوطن؛ لإثبات صدق وطنيتكم وانتمائكم له، ولما لا فهو آمنكم وأستأمنكم، فأمنتم، فجمعتم الثروات وأستكثرتم ..
ونافلة القول؛ إن لم يكن لديكم بما تسمى أيدي بيضاء بالفضل تمتد ومن دون منّه أو مباهاةٍ أو رياءاً يعتد، فالأحرى بكم أن تدفعوا حق الله الشرعي الذي لا مناص لكم منه لخلاصكم بآخرتكم، حينما تنصب الموازين، ونقف جميعاً بين يدي رب العالمين ..
أم إنكم لأمرِ الله منتظرون؟
{ فإذا جاءَ أمرُ اللهِ قُضِيَ بالحقِ وخَسِرَ هُنالكَ المُبطِلون }-سورة غافر 78