أيام رمضان
د . علي زين العابدين الحسيني
في رمضان رجلان، أحدهما يحتال للانتفاع من وقته، وآخر يحتال لإضاعة وقته، فالأول يجعل من الساعة ساعتين في بلوغ المقصود، والآخر يحيل الساعة الواحدة إلى نصفها أو إلى العدم، فكأنه يمارس بأفعاله هروباً من الحياة، أو يعيش سآمة من الدنيا، أو يجدُ ندماً على وجوده.
كم من سنين خلتْ عندك من بلوغ غايتك في العبادة، فاقتصرتَ في أيامه على الامتناع عن المفَطِّرات، وتركتَ التشمير عن ساعد الجد، ورضيتَ من نفسك بأقلّ القليل، وسيأتي الزمن الذي تندم فيه على أفعالكَ، فتحتقر ذاتك حتى تُصاب بالحسرة، وتزداد حسراتك كلما نظرتَ إلى منازل المجتهدين في أيامه، وكأنك تنظر إلى كواكبَ دريةٍ، فقد حصّلوا منه ما فاتك تحصيله.
في شهر رمضان افرض وجودك في أعمال الخير، وادفع أبواب الطاعة بقوة، فما هي إلا سُوَيعات وينتهي الشهر، وتبكي على ذهاب نفحاته، وتسمع مَن حولك يعيد قوله: “اللهم بلغنا رمضان”، فلا تفوت فرصة بلوغك الشهر الفضيل هذا العام، فقد تغيب عنكَ، ولا تدرك غيره، وقد تأتي فرصة أخرى إلا أنها في وقت عدم الإمكان لطروء ظروف صحية، ولن تقدر على ذلك إلا بعد الاعتراف بتقصيرك، وتذكرك لرمضانات ضاعتْ منك دون طاعةٍ، وكلٌّ أعلم بحاله.
للقرآن في رمضان منزلة خاصة، وإذا ما ذُكر شهر الصوم اقترن بالقرآن، ذلك أن رمضان هو شهر القرآن، فابتدأ نزوله فيه ثم تتابع نزوله منجماً في ثلاث وعشرين سنة، فلابد من عناية خاصة بهذا الكتاب، ووسائل الاعتناء به تلاوة أو تدبراً أو تفسيراً كثيرة، ولها برامجها الخاصة المشهورة، ولن تعدم منها ما يناسبك، وكلّ يختار لنفسه طريقته على ألا تخرج بعد رمضان صفر اليدين، فيكون حالك مع القرآن بعد رمضان أفضل من قبل.
تزداد أعمال الخير من الإنفاق والصدقة فيه، وقد كان صلى الله عليه وسلم مدة كونه في شهر رمضان أجود من نفسه، وكان في غالب أحواله يُعطي عطاء مَن لا يخشى الفقر، ثقة بعظيم فضل الله، وإذا بذلتَ معروفاً أو أعطيت صدقة أو زكاة لأهلها في شهر الكرم فلا تحرصْ مع الغلو المعاصر في التصوير على توثيق لحظة عطاءك بصورة، وعشْ لحظة السعادة مع المعْطَى حتى لو كانت دون توثيقٍ؛ فالحياة ليست استعراضاً لصورٍ دون احتسابٍ للأجر.
أعلمُ أنّ الحقوق والواجبات في حياتنا كثيرةٌ، لكنّ الناجح مَن يستطيع أن يلائم بين الحقوق والواجبات فلا يشغله بعضها عن بعضٍ، وكلّ ما في حياتنا قائم على تحقيق هذه الثنائية، وبقدر الموازنة بينهما يكون الإنجاز، وفي رمضان يعظمُ الأمر فعليك أن تؤلف بين هذه الأواصر.
إنّ من توفيق الله للمرء التعرضَ لنفحاته وقبول هباته، وأيام رمضان رأس تلك النفحات، وهيهاتَ أن تُدركَ في مشيبكَ ما فرطتَ فيه في شبابكَ، فاستعن بالله ولا تعجز!