احذروا الطلاق..( الجزء الأول )
عبدالله بن حمد الغافري
Alssedq@hotmail. Com
الحمد لله الذي حرم السفاح وأباح النكاح، والصلاة والسلام على خير الأزواج القائل (أنا خيركم لأهلي) وعلى آله وصحبه الكرام والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
الطلاق كلمة مخيفة رغم أنها حلال، لكنها حلال في أضيق الحدود!؛ إذ الأصل البنيان وليس الهدم والعمار، وليس الدمار والسكن، وليس التوتر والملأ العاطفي، وليست العزوبية..
الزواج له قدسيته ومكانته في الإسلام، ألا يكفي أن يكون الزواج من الآيات الدالة على وجود الله تعالى وربوبيته؟! قال سبحانه: (وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّةࣰ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ)-[سورة الروم 21].
لقد تحدثت سورة الروم المكية المباركة عن العديد من الآيات الدالة على الخالق سبحانه وتعالى، ومنها كيف أنه جلّ في علاه خلق السماوات والأرض بالحق، وأن الكافرين ظالمين لأنفسهم بكفرهم بالله الخالق، وأنهم مخالفين بكفرهم، وأن هذا الكفر والعياذ بالله يؤذن باستحقاقهم العذاب الأليم في الآخرة، ثم تسرد الآيات الكريمة مصير المجرمين يوم تقوم الساعة.
وهكذا تتسلسل الآيات متدفقة في السورة الكريمة كالماء السلسبيل ينساب في القلوب والأفئدة موضحاً المنهج المتوازن للكون كما أراده الله تعالى، حتى يبدأ الحديث عن بداية خلق الإنسان من تراب، ثم تسلسله بالزواج، ثم تعاقب قوة الصانع في إبداع السماوات والأرض.. الخ إنتهاءً بالحديث ان تقوم السماوات والأرض بأمره..!!!
إن ترتيب الآيات يثير القشعريرة في نفس المؤمن منا، ويجعله ينصاع طوعاً أو كرهاً للدليل الساطع على قوة حجة الله تعالى على عباده، وأن كلمة الحق منتصرة كما في بداية السورة، وأن النهاية هي قيام الكل للعدالة الإلهية….!!
وما علاقة الزواج كآية دالة على قوة الحجة وسطوع برهان اليقين بقوة الله تعالى؟! العلاقة أن الزواج عمار كعمار الكون.. والإنسان هو مادة العمار فكل هذا الكون مسخر له.. وأما الطلاق فهو معاكس لمراد الله إلا في الحالات التي أباحها الشارع سبحانه وتعالى لإنفاذه..!
إن إحصائيات الطلاق وما نسمعه عن تلك الحالات، وما تغص به المحاكم من خلافات ومشاكلات منبعها الطلاق المتهور، وضحيتها الأبناء الأبرياء، وضحيتها كذلك استقرار المجتمع وتفشي الفاحشة فيه واختلال توازن نسيجه الاجتماعي، حيث الطلاق يفتت الأسر ويبتر كل تلك الروابط، بل يحيل التراحم إلى تخاصم وتدابر ونفور وكيد متبادل، واتهامات مخجلة لا تقبل اجتماعياً..
ينبغي للزوجين أن يدركا يقينا أن الحياة كفاح وصبر ومثابرة، وأن التسامح الزوجي صمام أمان بين الزوجين؛ كي تستطيع سفينة الأسرة الإبحار في بحر هذه الحياة بثبات وأمان..!!
ومن يعتقد أنه سيجد الكمال في قرينه فهو واهم، فالكمال لله وحده، ولكن ما يربط الزوجين ويؤلف قلبيهما وقلوب أبنائهما أقوى وأشد مما يفرق بينهما..
ولنا في أنبياء الله تعالى ورسله القدوة في اتهام النفس وعدم توجيه الاتهام بالنقص إلى الزوج، ومثال ذلك أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ (قَالُوا۟ لَا تَوۡجَلۡ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ عَلِیمࣲ قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِی عَلَىٰۤ أَن مَّسَّنِیَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)-[سورة الحجر 53 – 54]. فهو يتهم نفسه ببلوغه مرحلة كبر السن ولم يقل زوجتي عاقر..!
كما تعلمنا أمنا سارة عند حديثها عن ذلك بقولها؛ (وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَاۤىِٕمَةࣱ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَـٰهَا بِإِسۡحَـٰقَ وَمِن وَرَاۤءِ إِسۡحَـٰقَ یَعۡقُوبَ قَالَتۡ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزࣱ وَهَـٰذَا بَعۡلِی شَیۡخًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عَجِیبࣱ قَالُوۤا۟ أَتَعۡجَبِینَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُۥ عَلَیۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِیدࣱ مَّجِیدࣱ)
-[سورة هود 71 – 73]
فأمنا سارة زوج أبينا إبراهيم عليهم السلام قدمت قولها (وأنا عجوز) احتراما لزوجها وأنها هي سبب عدم الذرية.
وقد اكتشفت عن تجربة وتمعن.. أن بين الزوجين من أمور الترابط ما لا يدركه إلا العالمون المدققون في أحوال الزوجين الاجتماعية والخلقية والروحية ووشائج الود ما لا يعلمه إلا الله تعالى.. لذلك جاء الدعاء (بورك لهما وبورك عليهما وجمع بينهما على خير) وهذه آية عظمى فكيف يحصل التوافق بين زوجين نشآ في بيئتين مختلفتين!! ومن لم يوفق في خطوبته قال عنه صلى الله عليه وسلم: (لا خير لك فيها) فليتدبر أولو الألباب البركة، وعدم الخيرية، وقل الحمد لله..
لنا لقاء آخر في أحكام الطلاق.. إن شاء الله تعالى ورمضان مبارك علينا جميعاً، كل عام والجميع بخير جعله الله تعالى شهر الخيرات والبركات والشوق للجنات.
عافانا إياكم من هذا الوباء.. اللهم آمين.