(مغيَّب شاة!!)
أحمد الحراصي
Al.aast99@gmail.com
هكذا قالها وهو يبحث عن (شاته) المفقودة بين عشرات البيوت، يدق باباً هنا فيطرق باباً آخر هناك، تلك المسافة التي مشى بها بسيارته أو مترجلاً ما بين البيوت التي يعرف أهلها تبدو طويلة، لكنها في نظره قصيرة، فالأمر يستحق العناء، يصف (شاته) بأدق التفاصيل وكأنه يراها أمامه فهو يعرفها جيداً كمن يعرف نفسه، عن لونها، عن رأسها (ذات قرون أم بلا)، عن قامتها مؤشرا بيده من سطح الأرض الذي يقف عليه إلى أعلى ما تصل إشارة يده أو أن يشبهها بإحدى الشياه الواقفة أمامهم، وغالبا ما يكون الرد أن الشاة التي تبحث عنها غير موجودة هنا، فلا يتراجع هذا المسكين إلا أن يجدها ويظل باحثاً عنها إلى أن ينقطع الأمل فيقف محتارا بين أمرين وهما: إما أن الشاة ماتت، أو أنه قد تم سرقتها والأرجح دائما الأمر الثاني خاصة إن كانت تلك الشاة لا تمر بأية حالات مرضية قد تؤدي إلى هلاكها.
إن هذا الرجل المسكين، مر بالكثير من المشاكل المتناظرة؛ رجلٌ ذا مال وحال كان أم رجلاً بسيطا ليس لديه ما يُقوِّم حاله إلا تلك الشياه التي اعتمد عليها في تحصيل قوت يومه، رجلٌ كسيف الحال لا عمل له في هذه الدنيا إلا الرعي وتفقد ماشيته صباحاً ومساءً، فإن فقد إحداها تكالبت عليه تعاسة ذلك اليوم كله في البحث عنها فلا يستطيع الرجوع إلا بعد إيجادها أو أن ينتهي اليوم كله في البحث عنها ثم يعاود الكرة في اليوم الثاني ينشد عنها بين الناس، (مغيَّب شاة)، لونها، قامتها، تذكرني هذه الصفات بتلك البقرة الصفراء الفاقع لونها لا فارض ولا بكر، بقرة لا ذلول مُسلَّمة لا شية فيها، تثير الأرض ولا تسقي الحرث، البقرة المذكورة في القرآن الكريم لبني إسرائيل فالأمر أراه هنا سيان، فما بين هذا الوصف القرآني لهذه البقرة التي يعرفها (خالقها) بأدق تفاصيلها، يأتي هنا وصف الشاة التي يعرفها (صاحبها) بأدق تفاصيلها ثم يأتي السؤال إن الشياه تشابهت علينا فيسألونه المزيد من التفاصيل التي من الممكن أن يهتدون إليها ما بين الشياه النزيلة عند صاحب البيت.
وربما الأمر احتاج أكثر من ذلك وأصعب، إن تمت سرقتها يعني أنها ضاعت دون دليل أو حجة يثبت سرقتها، فهي الآن إذاً في بطن سارقها أم في جيبه. فلا دليل ولا حجة تثبت سرقتها وإنما هو إدعاء خالٍ من الشواهد، إلا أن الرجل حسبه الله ونعم الوكيل، فماذا يفعل غير أن يتحسب ربه للسارق الذي لم يحسب حسابا لهذا الرجل المسكين، لم يحسب له حساب المسافات الطويلة التي قطعها بحثا عن شاته، وعن التعنّي لهذه المسافة التي لم تأتِ بالفائدة المرجوة فأنهكت جسده وعقله من كثرة التفكير والإرق ، وعن حسرته في تلك السنين التي تعب فيها لتربية هذه الشاة وإطعامها بين غداة وعشوة ليذكي بها في الأعياد أو لضيوف ما، تلك الشاة التي يتراوح ثمنها بين 70 و80 ريالا كأقل تقدير، كانت بمثابة الرزق له، أصوافها وأولادها الصغار (السِخال) ولبنها ولحومها كانت النعمة التي يعيش فيها، ولكن فعل السارق فعلته ورحل فلا ضمير يؤنبه ولا إحساس يشعر به!.
وما زال الأمر على هذا المنوال، فأنه نادراً ما يلتقيان (السارق والمسروق)، فلربما كان صاحبها يتفقد الشياه في ذلكم الوقت ومن محض الصدف أن يرى السارق يسرق شاته أمام ناظريه فيصرخ به كأن يقول (يا الكلب، تسرق الهوش هنا….) ، فلا يرى إلا الغبار الذي أعلن مغادرته الكلية كلمحة بصر دون أن يسمح له لإكمال عباراته من الشتم والسب، الغريب العجيب في الأمر أن السارق ليس غريبا، هو واحدٌ منهم من الذين يعرفهم تمام المعرفة، فهل هذا بالأمر الهيِّن عليه وعلينا أن يتقبله أحدٌ منا؟ الذين يعرفهم ويعرفونه!! ولهذا السبب يسرقونه! فالغريب لا يسرق رجلاً لا يعرفه كونه غريبا فلن يجازف ويغامر في أن يسرق الشاة، أما القريب يعرفك ويعرف تحركاتك وعلى هذه المعرفة يستطيع أن يسرقك؛ لأنه يعرف أين ستكون في ذلك الوقت بالتحديد فيتهجم كالذئب على الشياه، فيختار أسمنها وأصحها، وصار ينشد البيت الشعري هذا (لكنني أصبحت في دار غربةٍ متى يعد فيها الذئب يعد على شاتي)، فزمن الخوف من الذئاب انتهى، إنما هو زمن الذئاب البشرية
حسناً إذاً، رآه فاشتكى، لا دليل يؤيد كلامه ولا شاهدٌ معه، عندما يسأله المحقق عن الشاهد، سيتفاجأ برد صادم (شاهدٌ؟) رأيته في سيح أجرد لا يوجد فيه إنسٌ ولا جان فمن أين لي بالشاهد؟؟ والدليل؟؟ الدليل!؟ نعم كأن تصور السارق لحظة الجريمة، أنا لا أملك إلا هذا الهاتف (بو بجلي)!! إذاً القضية أُغلقت وسأضع لها الختم الأحمر الآن وانتهى ، لا نستطيع أن نفعل لك شيئاً فالمتهم بريء لا ناقة له في هذه الجريمة ولا جمل وأنصحك بأن تأتي بالأدلة الكافية فالقانون لا يحمي المغفلين.
إن هناك الكثير من الجرائم التي تشبه هذه الجريمة وأُغلقت لعدم وجود الأدلة الكافية، فيتحسر المساكين رغم أنهم رأوه بأم أعينهم، لكن القانون يقول أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
بقيت الحقيقة التي يجب أن نعرفها جميعاً، إن هذا الرجل وهمي وهو يمثل الكثير من الرجال الحقيقين الذين ضاعت حقوقهم وسُرقت شياههم وأموالهم، فرجعوا خالي الوفاض؛ لأن القانون لم ينصفهم، وهي القضية التي باتت المجالس لا تخلو من الحديث عنها، أنا لا أستطيع أن ألوم القانون في هذا لأنه يصدر الأحكام وفقا للأدلة، كما أن هناك جرائم مشابهة أنصفها القانون لوجود الأدلة التي تثبت الحجة، ولكنني أيضاً أستطيع أن أعطي بعضا من الحلول التي يجب أن يعرفها الذين ظلموا وبخسوا في حقهم وهو أن توثيق الجريمة بالصور والفيديو أمرٌ لا بد منه خاصة في مثل هذه الحالات التي تفتقد للشهود، أن تترصد للسارق وتحاصره وتقبض عليه بالجرم المشهود.
فمتى يستطيع أن يجد إجابة لسؤاله عن شاته التي غابت، (مغيَّب شاة) فهل هي هنا؟ لعل فرحة بالقلب تعود وتسحق الحزن بقطرة أمل لوجودها، وإن الشياه لتفقد وتغيب ولكن أن يصل الأمر إلى حد السرقة من الأقارب والمعارف الذين نستند عليهم ونعرفهم بالخير الدائم لهي صدمة عمرٍ لا تمر مرور الكرام لصاحب الشاة المسروقة، خيبة أملٍ وخيمة أن يسرقك إنسانا قريبا كقرب الحبل الوريد إليك فيتحول لبرهة إلى ذئب نعاج!، فكفوا عن بث هذه الصدمات والألاعيب التي لا تمت الإسلام بصلة وانأوا عنها فإنها لمضيعة للحقوق وتفكيك للعلاقات والود.