أحكام الإثبات في القانون العماني
ظافر بن عبدالله الحارثي
يقصد بالإثبات إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون، والتي تقدم من قبل الخصوم عند وجود واقعة قانونية يختلفون عليها فيما بينهم، فمحل الإثبات ليس هو الحق المدعى به، بل المصدر القانوني سبباً لإنشاء هذا الحق، فهذا التقديم يكون من طرق الإثبات؛ وهي عبارة عن الوسائل التي يلجأ إليها الخصوم لإقناع القاضي بصحة الوقائع التي يدعونها، فالإثبات إقناع والإقناع لا يرد على أمر مبهم، تتمثل هذه الوسائل في: ( الدليل الكتابي/ الشهادة/ الإقرار/ اليمين)، ولكل طريقة من طرق الإثبات حجيته في الإثبات حددها القانون وفق قواعد معينة، وللخصوم اختيار دليل من أدلة الإثبات يجيزه القانون، إلا أن هناك قيوداً على سلطة القاضي في تقدير أدلة الإثبات تتمثل في:
(١- الإقرار : إذ لا يستطيع القاضي تقدير الدليل بل عليه أن يتأكد من توفره،
٢- المنطق: على القاضي أن لا يتعسف في سلطته التقديرية للدليل، بل وسلطة القاضي التقديرية تخضع لرقابة المحكمة العليا.
وهناك قيود ترد على الخصم في الإثبات تتمثل في مبدأ عدم جواز اصطناع الخصم دليلا لنفسه، واستثناءً على هذه القاعدة يجيز القانون للشخص في بعض الحالات أن يتمسك بدليل صدر منه هو، (كجواز الإثبات بما ورد في دفاتر التجار، حيث أنه يجوز للتاجر أن يحتج بالبيانات الواردة في دفاتره التجارية بالنسبة لأعماله التجارية حيث يكون الخصم تاجراً أو غير تاجر)، أما القيد الثاني هو عدم جواز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه، إلا أن هذه القاعدة أيضًا لها استثناء يتمثل في أن القانون أجاز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم مستندات في الدعوى تكون تحت يده في الحالات الآتية:
أ- يجوز للمحكمة أن تأمر التاجر من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب الخصم بتقديم دفاتره التجارية،
ب- إذا كان المحرر مشتركاً بين الخصمين ( عقد الشركة )، ومن القيود أيضًا وجوب الإثبات بالطرق التى حددها القانون، وأخيرًا لا يجوز الحد من حق الخصم في الإثبات إلا بموجب نص صريح في القانون مثالها:(أسرار المحامى أو الطبيب التى علم بها عن طريق مهنته، أو منع أحد الزوجين من إفشاء سر الآخر بغير رضاه إذا كان العلم به بسبب الزوجية ولو بعد انفصالهما إلا في حالة رفع الدعوى من أحدهما على الآخر، أو في المواد الجنائية).
والجدير بالذكر أن الإثبات يعتبر حقاً للخصم بشرط أن يلتزم في إثبات ما يدعيه بالطرق المقررة قانوناً ( كأن يطلب استجواب خصمه، ونفي ما يدعيه، وتوجيه اليمين الحاسمة، ورد الشاهد والخبير المنتدب في الدعوى)، كما أنه يجب على القاضى أن يطلب مـن كل مدعٍ إثبات دعواه، ولا يقبل الادعاء المجرد من الدليل، ومن حق القاضي والخصم مناقشة الدليل المقدم في الدعوى، وذلك من خلال إعلان الخصم بكل دليل يقدم ضده حتى يتمكن من تقديم الدليل المضاد، ومن ضمن حقوق الخصوم أن لا يجوز للقاضي إجراء تحقيق أو معاينة في غيبة الخصوم، كما يمتنع التعويل على مستند لم يعرض على طرفا النزاع، ومن أدوار الخصوم في الإثبات واجب تقديم دليل على ما يدعيه الآخر، وعلى المدعي عليه أن يفند الدليل وينقضه، ومن أهم مظاهر حق الخصم في الإثبات والذي يجسد حق المساواة:
أ-الحق في نفي أدلة الخصم حفاظًا على المراكز الإجرائية، ب- الاعتراض على تقديم الدليل، وكذلك الاعتراض لعدم مراعاة الإجراءات،
ج-الحق في توجيه اليمين الحاسمة للخصم،
د-حق الخصم في الاستشهاد بالشهود، كإجراء المعاينة، أو المطالبة بتعين الخبير، أو إلزام الخصم أو الغير بتقديم الدفاتر و السندات في حوزته.
علاوةً على ما سبق ذكره، من المبادئ العامة في الإثبات مبدأ حياد القاضي؛ أي أن عمل القاضي يتركز في تطبيق القانون من خلال التمحيص و التدقيق في وقائع النزاع، وبيان حكم القانون بما ثبت لديه من الوقائع، وإصدار حكم فاصل في النزاع، فمن أهم مظاهر حياد القاضي أثناء التقاضي عدم جواز الجمع بين صفتي الخصم والحكم، كما لا يجوز القضاء بعلمه، فالمساواة بين الخصوم أمام القضاء حق دستوري ذكرتها نصوص النظام الأساسي، ولابد من الإشارة إلى أن مبدأ حياد القاضي لا يتعارض مع السلوك الايجابي للقاضي في إدارة الدعوى.
لقد أخذ المشرع العُماني بمذهب الإثبات المختلط، الذي يعد من أهم مميزاته السماح للقاضي في توجيه أطراف الدعوى واستكمال الأدلة الناقصة، والاستيضاح عن النقاط الغامضة في وقائع الدعوى المعروضة أمامه بشرط عدم تعارضها، كما يقوم هذا المذهب على التفريق في الإثبات بين التصرف القانوني (وهو وجود إرادة متجهة إلى إنشاء حق أو تغييره) حيث أن الأصل في إثبات التصرف القانوني يكون بالكتابة إلا أن هذه القاعدة ترد عليها بعض الاستثناءات (منها وجود المانع الأدبي أو المادي؛ أما الواقعة القانونية ” وهي حادث وقع بنشاط الإنسان أو حادث مادي محض اعتد به القانون ليولد منه مركزاً قانونياً عاماً دائماً، أو أثراً قانونياً محدود” يكون إثباتها بكافة طرق الإثبات؛ ويتبنى هذا المذهب كذلك أن يكون للقاضي دوراً ايجابياً يتجسد في إكمال ما نقص من أدلة الخصوم عندما يرى أنها غير كافية، ودور سلبي يتجسد في عدم إمكانه تغيير موضوع الطلب.