ابني باحث عن عمل
هلال بن حميد المقبالي
كثيرًا ما نسمع هذه الكلمة تتردد على أفواه الكثير من الآباء وأولياء الأمور، في اللقاءات والتجمعات وحتى في منصات التواصل الاجتماعي، وأكاد أجزم إن من يكرر هذه الكلمة ” ابني باحث عن عمل” أكثر من 70٪ من تعداد الأسر العمانية في السلطنة، فلا يوجد بيت يخلو من فرد أو عدة أفراد فيه باحثون عن عمل، وأنا أحد هؤلاء. عندي ثلاثة من الأبناء خريجي حملة بكاريوس هندسة، منهم من مضى عليه أكثر من خمس سنوات، والرابع في الطريق إلى التخرج بعد أقل من عام، وفي نفس التخصص، وجميعهم حالهم يقول: -ولو لم يبدؤها علنًا- ليتني لم أكمل الدراسة الجامعية واشتغلت بالقطاع الأمني، أو العسكري بشهادة الدبلوم، حيث كان الوضع متاح وبسهولة العمل في تلك الفترة، يقولون ذلك لأنهم شاهدوا من لم يكمل دراسته الجامعية وقد إلتحق بهذين القطاعين أصبحت أوضاعه مرتبة فلديه كل ما يحلمون فيه، لدية أسرة زوجة وأبناء، وربما البعض امتلك منزلًا خاصًا به، كل ذلك كان خلال العشر سنوات التي قضوها بين الدراسة وانتظار الوظيفة، وبالرغم من تشجيعي المستمر لهم على التفاؤل، وفضل العلم، ومحاولتي أبعادهم من يأس الأنتظار، وأذكرهم دائمًا، إن الوضع سيتحسن، وأن الخير آتٍ لا محالة، والأيام القادمة ستكون أحلى وأفضل، إلا إن وضع المشكلة قائم شئنا أم أبينا، ولا يُلامون على ذلك، فهم يشاهدون الوضع ويلاحظون المشكلة تتفاقم سنة بعد سنة، بدون حلول تلامس الواقع، ولا تعديل في مسار مشكلة ” الباحثين عن عمل” ، ومخرجات التعليم تزيد مع تقدم السنوات، مما يؤدي إلى تراكم أعداد “الباحثين عن عمل” َيلاحظوا كذلك أن أصحاب القرارات و ذوي المسؤولية، لم يتخذوا خطوات أكثر جرأة في هذا الشأن، وكأنهم متمسكين بمبدأ “من تسلم ناقتي ما عليّ من رفاقتي”، و هذا تفكير مجتمعي، هكذا تجد وضع حال الأغلبية من الباحثين عن العمل ممن لديهم شهادات جامعية، وقد ضاق بهم الأمر ضرعاً، أن المسؤولين لا يبالون بالمواطن، وما يعانيه ما دام لديهم ما يبعد عنهم ضنك المعيشة، وقسوة الحياة.
أذكر ذات مرة قُدمت لي دعوة لحظور حفل تكريم الطلبة المتفوقين والمجيدين في أحدى كليات التقنية -سابقا- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية -حاليًا- كوني أحد أولياء أمور الطلبة المكرمين ولله الحمد، كان ذلك في العام الأكاديمي:(2018/2017) حضرت لتلك الأحتفالية وفوجئت بعدد من الوافدين لا بأس به في الصفوف الأمامية، والأكثرية منهم من جنسية واحدة، كما يقال: “رعاة بلاد وحدة”، وعند سؤالي عنهم قيل لي: “هولاء أكاديميين ومشرفين، وفنيين فالتدريب المهني”، مما جعلني في استغراب تام من هذا النهج، لدينا مشكلة باحثين عن عمل، وما زال هؤلاء الوافدين يتمركزون في وظائفهم، أليس من حق الشاب العماني أن يؤهل ويحل محلهم؟…
هذا كان على مستوى كلية واحدة، فما بالنا بجميع الكليات والدوائر الحكومية المدنية والعسكرية، هناك الكثيرين منهم، أكثر من 40 سنه ومخرجات التعليم العالي تنتج سنويًا الآلاف من الخريين ذو قدرات وأمكانيات عالية، ألا يوجد فيهم من يحل محل هؤلاء الوافدين؟ لماذا طوال هذه الفترة لم يؤهل الشاب العماني؛ ليحل محل هؤلاء الوافدين؟
هل فعلًا الحكومة في حاجة إليهم، أم هي تضارب مصالح بينهم وبين المسؤولين؟
قرأت مرة منشور صادر عن مركز الأحصاء العماني في نشرته لشهر إبريل/2020م، ذكر بأن عدد. الوافدين العاملين في القطاع الحكومي بلغ 53 ألفا و332 وافدًا، و بلغ عدد الباحثين عن عمل 65 ألفًا، و438 باحثا عن عمل، منهم 24 ألفًا 559 باحثا من الذكور، و40 ألفًا و879 باحثة من الإناث، بمختلف الشهادات العلمية والدراسية، كما أوردته جريدة عُمان بتأريخ 15 ديسمبر/2020م. إذا كانت هذه الإحصائيات دقيقة، و هذه الأرقام فعلًا صحيحة، وأظنها كذلك، فهي صادرة من مركز حكومي ونشرت في جريدة حكومية، فأن مشكلة “الباحثين عن عمل” قد تكون مشكلة مبالغ فيها، ولا توجد أساساً مشكلة، فلماذا إذًا مشكلة “الباحثين عن عمل” في تراكم مستمر؟، والفارق بين مجموع “الباحثين عن عمل” وبين عدد الوافدين العاملين في القطاع الحكومي لا يتجاوز عن 13 ألف “باحث عن عمل”، إذا مكنوا هؤلاء الشاب العُمانيين الباحثين عن عمل في إحلال هذه الوظائف في القطاع الحكومي فقط، فالنسبة ستصبح ضئيلة، و تتقلص الأعداد ، ناهيك عن الوظائف التخصصية والفنية في القطاع الخاص و التي يشغلها الوافد ، و التي من الأولى أن يشغلها الشاب العماني وأحق بها، إلا إذا يرى المسؤولين عن ذلك، أن الخريج العماني غير قادر أو لا يستطيع أن يشغل هذه الوظائف!!، وأيضا هذا راجع للمسؤولين المعنيين بالأمر، لماذا لم تأهلوا الشباب؛ ليكونوا قادرين على شغل هذه الوظيفة؟.
لا تزال مشكلة الباحثين عن عمل قضية كبيرة تؤرق المجتمع، وتضعط على الحكومة، وتؤثر وتتأثر بالاقتصاد والموارد المالية، رغم وجود شواغر وظيفية حسب الإحصائيات، قد تساعد في التقليص من حدة هذه المشكلة، ولكنها ضلت قائمة، ولم تعالج طوال السنوات العشر الماضية من ظهورها على العلن بشكل ملفت للأنتباه، وقامت عليها ما نتذكر من أحدات، لا يستدعي الأمر الآن لذكرها، و بدلًا من وضع حلول، ومعالجة قضية الباحثين عن عمل، ظهرت في الأفق على أثر الأزمة المالية والأزمة الصحية في هذة الفترة، ظهرت قضية المسرحين من القطاع الخاص، والتي “قصمت ظهر البعير” كما يقال، فزادت “مشكلة المسرحين” من تفاقم “مشكلة الباحثين من عمل” لدى الجهات الحكومية.
ومع ظهور “مشكلة المسرحين من العمل”، فكيف ستكون الحلول مع هاتين المشكلتين ومع أوضاع الأسر المعيشية؟ ونحن مقبلين على فرض ضرائب وسبقه رفع الدعم، وهذا كله يتواكب مع مشلكتي “التسريح من العمل”، و”الباحثين عن عمل”، وكما يقال: “ضربتان في الرأس توجع” ؟.
إذا كانت الحكومة فعلًا جادة في حلحلة المشكلة، وتقليصها، فعليها مراجعة سياسة التوظيف، والتعمين، وأنظمتها في القطاعين الحكومي والخاص واستبدالها بقوانين وتشريعات تتماشى مع التطورات والتحديات، وتتواكب مع التطلبات والتطلعات المستقبلية، ولا يكون ذلك بالتصريحات فقط، لأعطاء المتلقي مسكنًا، وإنما بالتطبيق الفعلي، ومحاسبة كل من يعرقل هذا التوجه، لذا يجب أن تصاغ تشريعات وقوانين تلزم القطاع الحكومي. أولاً: بالسعي إلى إحلال وظائف الوافدين، وتعيين العمانيين مكانهم، “فرقعة الثوب حلاته منه وفيه”، و ثانيًا: تلزم أصحاب العمل والشركات على توظيف العمالة الوطنية، والتقليل من استقدام العمالة الوافدة، والبقاء على العمالة الوطنية في عملهم دون المساس بهم، وتسريحهم بمبررات وهمية واهية، وإعطائهم حقوقهم كاملة، وتوفير مظلة الأمان الوظيفي والاجتماعي لهم؛ تحسباً لأي طارئ قد يحدث مستقبلًا…