صلة الرحم والتواصل المجتمعي
هلال بن حميد المقبالي
يحظى مجتمعنا العماني بترابط أسري عريق، و بعلاقات اجتماعية عميقة الوجود وكما يقال “حتى النخاع”، فطبيعة الشعب ذو طابع اجتماعي، حيث نشأ هذا الشعب في مجتمع يتميز بعلاقات اجتماعية متأصلة، وصلات رحم متفرعة الأركان و الجوانب، فمعظم الأسر العمانية مترابطة النسب والأنساب فتجد العائلة الواحدة تربطها مع أفراد المجتمع نسباً، فتجد أكثر من عائلة من نفس القبيلة ومن قبائل أخرى، متداخلون في النسب والتقارب الاجتماعي، ومن هذا التقارب وُلد نسيج مجتمي ذو صلات رحم متواصلة التوسع، عميقة الوجود؛ لذلك نرى سلاسة التجانس عند أفراد المجتمع العماني مع غيرهم تجعلهم مقبولين من الجميع.
ربما تختلف علينا الاوضاع ومسبباتها لكن تظل مسألة الوصل والتواصل مستمرة بالقدر المعقول، ولا يمكن أن يتجنبها أو يقلص من وجود هذه الميزة إلا القلة وبصعوبة تامة مع أزدراء من البعض، وقد حثنا ديننا الحنيف على هذه القيمة الأخلاقية الاجتماعية، وقد كثُرت النصوص العامة والخاصة التي تحث على التواصل، كقول الله تبارك وتعالى:{ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}- (الرعد/21)، وهذه دعوة إلاهية لقيم التواصل وفضلها، و في الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ :(الرَّحمُ معلَّقةٌ بالعرش تقولُ: مَن وصلني وصله اللهُ، ومَن قطعني قطعه)،
والنصوص القرآنية والسير النبوية كثيرة في هذا المجال وهذه دلالة على مكانة الوصل والتواصل في ديننا الإسلامي الحنيف.
مما لا شك فيه، أن صلة الرحم والتواصل المجتمعي صبغة إيمانية تدخل في البر والاحسان للأخر، وهي قيمة إنسانية بدلالاتها ومبادئها، فهي تعني الاحترام وتقدير الآخر، ودليل التعاون والتكاتف بين أفراد العائلة الواحدة بشكل خاص، وبين أفراد المجتمع بشكل عام، و لا تستقيم أواصر المجتمع وقيّمهِ الاجتماعية، والإنسانية إلا اذا وجدت هذه القيمة الربانية، والأخلاقية “الصلة والتواصل”، وتعتبر التجمعات العائلية المستمرة واللقاءات بين أفراد المجتمع الواحد والتعاون فيما بينهم من أفضل طرق التواصل، وقد بَشَّرَ الرسولُ ﷺ الذي يصل رحمه ب”سعة الرزق والبركة في المال والعمر”، فعن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
كان شيابنا رغم شحة وسائل الاتصال والتواصل إلا انهم يسعون إلى صلة رحم أقربائهم ويتواصلون مع أصدقائهم، ويثرون التواصل المجتمعي مع الآخرين من خلال التجمعات و الزيارات المتبادلة، والمشاركات الفعلية في المجتمع، والتكاتف والتعاضد في مناسبات الأفراح والأتراح، ومختلف جوانب العمل المجتمعي، أما في وقتنا الحاضر ورغم وجود وسائل التواصل بشتى أنواعها المختلفة، إلا أننا نجد فجوة صلة بين أفراد الأسرة الواحدة، و بين أفراد المجتمع، فقلت التجمعات، والمشاركات، والتكاتف، إلا القلة منهم، و من رحم ربي.
كلنا لاحظ الوضع الذي أصاب المجتمعات من جراء جائحة كرونا (كوفيد 19) ، قلت هذه القيمة الإنسانية و اضمحلت غزارتها رغم توفر وسائل التواصل المختلفة، ولكنها تظل غائبة، ربما البعض يعلل ذلك أن الازمة الصحية الحالية قد تكون السبب المباشر في ذلك، ونقول له؛ هل منع الاتصال أو التواصل المرئي أو حتى الزيارات السريعة دون التجمع؟ لا أعتقد !.
للأسف الشديد أصبح الوضع الصحي الحالي شماعة نعلق عليها تقصيرنا في صلة الرحم وتواصلنا الاجتماعي مع الأقارب والأصحاب، وهذا دليل جهل البعض منا بأهمية صلة الرحم والتواصل المجتمعي، وهذا ما أضعف التماسك في النسيج المجتمعي-إذا صح التعبير – وحقيقة نأسف لذلك، وربما كان السبب في ذلك ظهور بعض الخلافات الأسرية وسوء الفهم بين أفرادها، وكانت الجائحة سببًا أو غطاءً لذلك، فجاءت الحالة الصحية الحالية “كوفيد19” لتكشف لنا هشاشة التواصل المجتمعي، وتفضحنا.
أننا نعيش حاليًا في مجتمع يفتقد قيمة صلة الرحم، والتواصل المجتمعي، ربما البعض يشاركني الرأي، والبعض الآخر ربما له وجهة نظر مغايرة، و هذا الأختلاف أختلاف جوهري في مثل هذه الأمور ولا يختلف عليه اثنان، وذلك لأختلاف مباديء وقيم، وعلاقات بعض الأسر والمجتمعات المنتمية إليها، وأسلوب تقاربها و وعيها بأهمية صلة الرحم، والتواصل المجتمعي رغم كل التوجهات، تبقى المشكلة قائمة، تؤرق المجتمع والأجيال القادمة، وهناك الكثير من القصص المحسوسة في المجتمع التي يصعب حصرها في هذا المقال، حتى وصل بعضها إلى العقوق والعياذ بالله.