ما هذه الحالة .. في الـ “حالة”
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
تضم صفحة الـ “واتس أب” ضمن الخدمات التي تقدمها زاوية أخرى تسمى الـ “حالة” حيث بالإمكان أن تنشر في هذه الزاوية المادة التي تود إيصالها للمتلقي، ولو بصورة مؤقتة، حيث تمكث هذه المادة في هذه الزاوية مدة زمنية مقدرة بـ (24) ساعة، وميزة هذه الزاوية أن كل أصحاب الأرقام التي تضمها قائمة هاتفك النقال يمكن أن يطلعوا على هذه المادة التي ترسلها طوال الفترة الزمنية المحددة تلك، ويمكن للآخرين أن يتفاعلوا معك، ويرسلوا لك التعليقات التي يودون التعليق عليها على المادة المنشورة، بالإضافة إلى بيان عدد الذين اطلعوا على المادة المنشورة بحسب القائمة التي عندك، حيث يتفاوت عدد المشاهدين لهذه المادة وفق الزمن المتاح للآخرين لأن يطلعوا على ما هو منشور في الـ “حالة”.
الـ “حالة” هذه لا تنضم إلى مجموعات الـ “واتس أب” كمجموعة، وإنما يتاح النظر أو التعليق بصورة فردية، على مجموع الصور والمشاهد المرئية، حيث لا تتيح الحالة أكثر من مادة واحدة للمشاهدة، ويمكنك أن تغير هذه المادة بين فترة وأخرى؛ دون الضرورة إلى الانتظار لمدة الـ (24) ساعة منذ إعطاء الأمر لمادتك التي اخترتها لأن تكون في زاوية الحالة.
هذا التعاطي الواسع في خدمة الـ “واتس أب” على وجه الخصوص، ولوسائل التواصل الاجتماعي عموما أغرى؛ ولا يزال يغري؛ أناس كثيرون لأن يخرجوا عن كل تحفظاتهم، وقل أسرارهم الخاصة، وأسرار بيوتهم أيضا، فلم تعد اليوم خصوصية فردية، أو أسرية، ويندرج تحتها أيضا مجموعة المواد؛ التي كانت تصنف في يوم من الأيام؛ تحت مظلة الأسرار، وهذا الانفلات؛ إن تجوز التسمية؛ غير المحسوبة عواقبه، يجر وراءه مشاكل أسرية، ويوقع أناس كثيرون في مستنقع الإحراج الشديد، وهو إحراج أقل ما يكون فيه كشف العورات، وخاصة في الجانب المتعلق بالمرأة، التي تصور أجزاء من جسدها: أرجل، سيقان، أكف الأيدي، جزءا من الوجه، الأذن، العيون، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، صحيح أن الصورة لا تظهر المرأة لتعرف من هي، ولكنها تعرف من خلال رقم هاتفها الموجود في القائمة، وقد يقول قائل، أن قوائم النساء لا تضم إلا نساء، ولكن المرأة الواحدة هل تضمن بقاء ما سمحت به نشر لجزء من جسمها أن يكون مقتصرا فقط على صاحبة الرقم في الطرف الآخر، مع العلم، أن الحالة تظهر حتى الأرقام القديمة التي قد تكون مسحت من قائمة الشخص نفسه، والآن هي في يد شخص آخر، وقد يكون هذا الشخص رجلا.
لقد أعيب منذ زمن بعيد على وسائل الإعلام التقليدية عندما كانت تروج المواد الإعلانية من خلال أجسام النساء، وعد ذلك امتهان لكرامة المرأة وعزتها وشرفها، وإن وجد عذر الإغراء المادي كأحد الأسباب المهمة لأن تتنازل المرأة عن جزء من جسدها ليوظف في المادة الإعلانية لمنتج ما، اليوم تصبح وسائل الإعلام التقليدية في حل من أي اتهام يصوب إليها، وتصبح بريئة من “دم يوسف” كما يقال؛ لأن المرأة تسعى؛ وبكامل إرادتها؛ في تسويق أجزاء من جسدها عبر هذه الوسائل، وبلا مقابل، سواء إشباع رغبة الظهور، والترويج المخل بالحكمة والتروي، لأن الإنسان؛ في النهاية؛ محاسب على كل تصرف يقوم به، سواء أكان تصرفا خيرا، أو تصرفا غير خير، واستسهال أمر هذه المحاسبة بهذا التسطيح المخل للحكمة، لا يقدم عليه إلا من فقد جزءا من توازنه الأخلاقي المحافظ على سمعته وكرامته.
يأتي هوس الظهور؛ بأي شكل من الأشكال؛ كأحد المحددات المهمة لأي سلوك غير مقبول، ولأي سلوك معوج لا يقدر له صاحبه مجموعة الإخفاقات التي يقع فيها، دون أن يضع لذلك حسبان الإيمان بالقيم، والتعقل، والاتزان، فوق أنه يضع نفسه، ومن معه من أفراد أسرته في مستنقع الإحراجات، وإعطاء فرصة اتساع الحديث في القيل والقال، دون الضرورة إلى ذلك أصلا، وماذا سيجني الإنسان من كل التعري من القيم المادية والمعنوية، سوى الإغراق أكثر في هذا المستنقع، وهذا ما يؤسف له حقا في ظل نمو متسارع لدى الفئات الشابة، والتي يعول عليها الكثير من المحافظة على القيم السامية التي تحفظ للمجتمع وأفراده مكانتهم، وقيمتهم، وتعكس مدى قدرتهم على استيعاب المستجدات وتوظيفها لما يخدم الصالح العام.