كنوز خالدة من السيرة العطرة لأبناء الرستاق ( 2 )
خليفة الحسني
2020khalufasaif@gmali.com
من ذاكرة الأيام الخالدة لسيرة أبناء الرستاق، هذا الشغف الكبير والمعرفة وما تم تأويله من طاقات ومجهودات بشرية تأثر بها الزمان والمكان، وأينعت الثمرات الطيبة من تلك السيرة العطرة الخالدة؛ ومن هذا الحصاد بما صنعه الرجال العظماء الذين يضرب بهم الأمثال لما كانت وما زالت لهم المكانة الرفيعة التي يُقتدى بها وبسيرتها وعلمها الذي دونه التاريخ بصفحاته البيضاء، وكانت مقاماً عظيماً من منهج سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، هذه الآفاق الرحاب من العلم النافع فإنه حتماً لهذا الاشتياق والحنين لهذه السيرة العطرة وما خلفته الأيادي البيضاء من الكنوز الثمينة الباقية بإذن الله، من سيرة أبناء الرستاق العظماء فإنها ليست سيرة وحسب بل هي بحراً تتزاحم أمواجه بهذا الكم من العلم الواسع، والمعرفة والبلاغة والفقه وسماحة النفس ومكارم الأخلاق والزهد. وما أعنيه بهذا القول وبهذا التأويل البسيط فإنه لا يفي بحق ومكانة هذه الشخصية القوية بإيمانها بالله عز وجل، وبما رفدت به من مقاصد وتأويل انتفع به القاصي والداني، لِما كان لهذا العلم والجهد والاجتهاد من هذه الشخصية فإن هذه السطور البسيطة والمتواضعة فعلاً لا تفي لهذا المقامات وهي بالطبع كثيرة أورثها الزمان وخلدها باقية وخالدة بالقلوب.
إن هذه الشخصية هو فضيلة الشيخ الأكرم الفقيه التقي عبدالله ابن الإمام سالم بن راشد بن سليمان بن عامر بن مسعود وهو من نسل الشيخ عزان بن محمد بن مسعود ابن الإمام عزان بن تميم الخروصي طيب الله ثراه، الذي كان مولده فى ولاية نزوى عام ١٣٣٥ للهجرة أيام دولة والده الإمام سالم بن راشد الخروصي ، وبعد وفاة والده رحمة الله عليه انتقل الشيخ الجليل عبدالله ابن الإمام مع عمه في ولاية العوابي مركز بني خروص، وفيها أخذ العلم من عمه الشيخ العلامة ناصر بن راشد الخروصي الذي كان ركن من أركان دولتي الإمامين سالم ومحمد أبناء عبدالله الخليلي، وفيها أخذ العلم من عمه، ولقد كانت سيرته وحياته بمثل ما تربى عليه من سيرة الأفاضل وعلماء عمان التي كانت منذ عهد الأئمة، ومنها تحلى بسيرة السلف الصالح الذين انتهج منهم حب الله والوطن، وهذه السيرة كانت مليئة بأحداث عمان فلن تفرق بينها وتاريخ عمان، فقد كان القرآن الكريم وما تعلمه من سيرة خير الخلق المصطفى الأمين، ومن النبراس التي رسمها وسار عليها فإنه يُعد رمزا من رموز السلف الصالح، فقد جعل من حياته لصالح المجتمع وأمور الحياة العامة. فمن الزهد والفطنة كانت حياته بين دفتي كاتب ومسجد ومجلس للقضاء لإدراكه التام رحمة الله عليه بأن هناك أناس بحاجة إلى أمور دينهم ودنياهم ، ومما كان يحبب إلى قلبه وبكل شغف فإنه أحب تلك القرية الجميلة ستال بوادي بني خروص، وكانت من أحب الأماكن إليه حتى انتقل إلى ولاية الرستاق، وكانت بمثابة الاستقرار لحياة الشيخ الجليل بين أبناءه تاركاً مظاهر الدنيا وصخبها الحديث، ومعتبراً بأن الحياة الدنيا مرحلة عبور إلى رضا الله.
له من القصص الخالدة، وفي عهد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي فإنه عهد إليه بالإمامة ولكن الشيخ الجليل عبدالله لم يوافق، وبعد ما تشاور مع نفسه رفضها رغم حب الإمام له وإدراكه فيه أنه أخصه عن غيره لإدراك الإمام محمد الخليلي رحمه الله بمكانة الشيخ عبدالله بصلاحية المجتمع، ورغم ذلك رفضها وكانت للشيخ الجليل الكثير من القصائد الدينية والعديد من التفاسير، ومن سيرته العملية فإنه عمل قاضياً ووالياً، وذلك منذ ١٣٦٩هـ، حيث تولى القضاء فى ولاية بهلا عام ١٣٧٣هـ حتى عام(١٣٧٥)، وكان قبلها في ولاية نخل ١٣٦٩هـ لمدة أربع سنوات، ثم ولاية السويق وذلك في زمن السيد سعيد بن تيمور، ثم العوابي لمدة ١٩سنة.
هذا المشوار العملي الغني بالكثير من المفاهيم والالتزام بمعطيات الحقوق لكل من له حق ومنع المظالم، ثم استقر بهذه الولاية العريقة الرستاق، وخلال هذه الحياة البسيطة كان يراوده شغفا كبيرا عن حب عمان وتاريخها مما تجده خلال الحديث معه يأخدك بسفر طويل بتلك البراءة وحبه للوطن والدين، ومن هذه المقامات أنه لم ينظر إلى الدنيا بأنها ذات بال وأهمية مما جعله يعيش متنقلاً للعلم ومهتماً به، وكان شغفه لهذا النهج الكريم، حيث كان ينسخ الكتب لنفسه وينتقي منها ما يراه ضرورياً لحياته وآخرته.
هذه هي السيرة الطيبة لفضيلة الشيخ الجليل القاضي، كانت بذات البساطة والقناعة امتدت عقوداً من الزمن لخدمة العلم والدين الحنيف، وخدمة الوطن عمان، فقد كرس حياته بهذا المقام الرفيع ومنه استطاع بأن يبحر بأعماق البحار من هذا العلم والزهد والقناعة، وقد قال عنه أبا مسلم البهلاني في نسبه إلى الإمام بن تميم؛
جاءته ما كان بدعاً من أئمتها ،،، من جده ابن تميم المجد عزان
فالإنجازات كثيرة لهذه الشخصية التي تشرفت من خلال هذه السطور المتواضعة لذكر بعض تلك الحياة الكريمة، داعياً الله له بالرحمة والمغفرة، وأن تكون هذه السيرة الكريمة شافعة له يوم الحساب (اللهم آمين).
فها هم الخلف الصالح من أبنائه وأحفاده مواصلين هذه السيرة العطرة بكل ما يستوجب منهم وبهم الكفاية، فنسأل الله لهم التوفيق وأن يكونوا لهذه السيرة حفيظاً، وأني ألتمس العذر من كافة أبناء وأسرة هذه الشخصية الكريمة، الشيخ الجليل القاضي عبدالله بن الإمام، وبما ورد من تقصير غير متعمد فيما تم ذكره بهذا المقال المتواضع، فهو أقل واجب منا له رحمة الله عليه، وحفظ الله مشايخنا وعلماءنا بهذه الوطن الغالي عمان، وعلماء المسلمين عامة، وحفظ الله عمان و أبناؤها المخلصين، وحفظ الله مولانا جلالة السلطان المفدى أعزه الله وأبقاه (اللهم آمين).
———–
مصدر البيانات وإذن النشر من أبناء الشيخ الجليل شخصياً.