العفوية بين السلبية والإيجابية في حياة البشرية
علي بن مبارك اليعربي
يعيش الإنسان في العصر الحاضر وسط لغط في المفاهيم وتأرجح كبير في الموازين وتمازج وتباين غريب في المعايير. رغم أن هذه الأمور مجتمعة هي من يجب أن تحكم سيطرتها على فكر المجتمعات المتطورة. وهذا ما يتطلب منا السعي والعمل على تغييره، فتلك الأفكار والتخيلات الفاسدة والسلوكيات الخاطئة ستؤدي بكل تأكيد إلى استجابات غير مرغوبة تكون نهايتها مؤسفة ومؤلمة لا يمكن معالجتها وتداركها مستقبلا. فإذا ما تحدثنا عن العفوية مثلاً ومفهومها العصري ومنهجية إدارتها.. سنقف حائرين تجاهها، فالأفكار والمفاهيم المتناقلة حولها بعيدة كل البعد عن الصحة، والإدراك الحقيقي. كما تعد العفوية وفي كثير من الأحيان سذاجة وضعف في الفهم رغم أنها تعطي صاحبها طاقة إيجابية لتحقيق الذات وهي من الصفات التي تتواءم وتنسجم مع الضمير الإنساني، فبها ترتقي الذات وتنجو من براثن الخبث والغدر وفساد الأخلاق وليس كما يظن البعض بصاحبها أنه ثرثار، غبي … به من البساطة ما يكفي ليس لديه عمق في التفكير، أي يلقي الكلام على عواهنه وقد يساء الظن به، ويعتبر متكلفاً متلوناً بهدف الخبث والخداع أو لأي غرض آخر، وهذا لا يعد إطلاقاً ضمن المفهوم الحقيقي للعفوية. فحامل تلك الصفة لا يقوم بأعمال اعتباطية تبتعد عن العقلانية والتفكير المنطقي بل تتسم سلوكياته بالتلقائية والشفافية، وتخلو من الحواجز والتكلف، ولا يمكن لأي كان التعامل بمصداقية وصفاء وحسن نية إلا من يحمل صفة العفوية ولا يقتصر مفهوم هذه الصفة على السجية والفطرة الربانية وحسب، بل هو مكتسب ونتاج تدريب ورعاية وخبرات متراكمة محاطة بسياج يحميها من أي تدخل خارجي ينهي على معتقداتها ومرتكزاتها الأساسية. لهذا تعد العفوية عند البعض حماقة وسذاجة وبلادة ورعونة وقلة حيلة، وشديد التسرع في إلقاء الكلام وإطلاق الأحكام.
لذ يجب علينا جميعاً أن نصحح في نفوس الناشئة الفهم المغلوط للعفوية حتى لا يبتعد قولهم عن فعلهم ونفتقد فيهم العاطفة والإحساس النبيل والإبداع والفكر المتزن؛ لأن فقدان ذلك يعرقل في النفس البشرية صناعة الذات والوقوف سداً منيعاً وراء تحقيق ذوات الآخرين، وهذا واقع نعيشه في عالمنا المعاصر فالتملق والخبث والخداع عقدت معيشتنا وفرضت علينا قيوداً صارمة حالت دون تحقيق أفكار وأهداف لو أنجزناها لتغيير الكثير في تقييمنا لذواتنا وذوات الآخرين، ولكن حظر السلوك وتقنين الممارسات السلوكية والمعرفية الواعية وكبت الأفكار والتطلعات الإبداعية تجبرنا على الخروج إلى الأنانية والوصول للعقل الباطن متأثرين بالدفاعات النفسية، مما أدى إلى تعفن أفكارنا السوية في اللاوعي.
وقد يستغل البعض مفهوم العفوية للخروج من مأزق ما، حيث أصبحت في علم النفس مهارة متطورة لدى بعض الأفراد للإجابة بكفاءة عالية حتى في حالة عدم اليقين أو عدم مقدرته بالقيام بنمط معين من السلوك، كما أننا نستخدمها في العلاقة الثنائية للاحتفاظ بتلك العلاقات لفترة طويلة دون عقد. رغم محاولة التحكم بأفكارنا وأفعالنا إلا أن كل واحد بداخله طفل يسعى للتعبير عن نفسه. ولكن لا يعني بالعفوية أن تكون طفلاً بل أن تأخذ من الطفولة الفطرة والطبيعة النقية.
خلاصة القول إن العفوية علامة مميزة وشخصية إبداعية مشرقة يعد صاحبها ذا رأي واضح وقلب نظيف شفاف بغض النظر عما يمتلكه من مكانة اجتماعية مرموقة وفكر إبداعي وتحصيل دراسي، يظل سلوكه وفعله وإحساسه لا يحتاج للغربلة أو التجميل، فبساطته وتلقائيته تشفع له كل ذلك إذا ما تم فهم وإفهام العفوية بشكله الصحيح، فتكون بلا شك إيجابية وطاقة فعالة لإصلاح ذاتك وذوات الآخرين.