العلاقات الإنسانية
الدكتور: طالب بن خليفة الهطالي
Talib.oman@hotmail.com
لماذا سمي الإنسان إنسانا؟ لأنه يأنس ببني جنسه.
إن مما لا شك فيه أن العلاقات الإنسانية تعمل على زيادة الحافز الشخصي وتقوّي الثقة المتبادلة وتوفر البيئة المناسبة لتحقيق روابط متينة بين أفراد المجتمع، فالإنسان مفطور على إنسانيته ويأنس ببني جنسه وبالبيئة التي تسودها المعاني الإنسانية البعيدة عن التعالي والشحناء، كما أن نجاح العلاقات بين الأفراد يعتمد على الثقة والاحترام المتبادل ومن شأنه تحقيق أعلى معدلات الانتاج، كما أنه يشجع على العمل الجماعي بشتّى صوره، فقد عُرِّفت العلاقات الإنسانية بأنها: تنمية الأهداف والحوافز المشتركة في المجموعات وفي محيط العمل وتحقق التكافل والتعاون البنّاء بين أفراد المجتمع الواحد، وتهدف إلى التكامل بين الأفراد بالشكل الذي يدفعهم ويحفزهم نحوه بإنتاجية وتعاون، مع ضمان إشباع حاجاتهم الطبيعية والنفسية والاجتماعية.
ولقد حرص ديننا الإسلامي الحنيف على إقامة علاقات بين البشر فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [القرآن. الحجرات: 13] فالعلاقات التي تقوم بين بني البشر والتي يكون أساسها الرحمة والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والتناصح والمنافسة الشريفة ورقي التعامل حتى من المسيء منهم حتماً ينتج عنها التماسك والترابط وتقوية أواصر المحبة، وتكون دعامة رئيسة للنهوض بالمجتمعات تقدماً وازدهاراً، وتبني مجتمعاً ذا أساسات وقواعد متينة لضمان الديمومة والاستقرار، كما أنّها تعكس صورة حضارية للعلاقات المنضبطة والمتوازنة، وتحقق وجود التنافس العادل بين الأفراد الذي يُعَدُّ من العوامل المساعدة للتميز والإبداع.
إن البيئة التي تركز على العمل المنظم وتوفر المناخ المناسب للتواصل الاجتماعي الفعّال من خلال الأنشطة والفعاليات التي تكون بينهم، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتوطيد العلاقات وتسعى أن يعمل أفرادها بنظام العمل الجماعي وروح الفريق تعدّ من البيئات المنظّمة، إذ أنها تساعد على الاهتمام بزيادة العاملين بالشكل الذي يحقق تلبية طلباتهم وإشباع رغباتهم وتذكي فيهم روح التنافس الشريف العادل، وهذا ما حظ عليه الدين الإسلامي عندما شجّع على التنافس الشريف بين بني البشر كالتنافس على الطاعات وعمل الخير، ففي التنافس إفادة واستفاده وهذا بحد ذاته يخلق الطموح لبذل المزيد من الجهد والعمل والتميز والإبداع، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾[ القرآن.المطففين.26] لذلك يفهم من معنى التنافس أنه نوع من التفاعلات الإنسانية بين الأفراد، وهو أحد الظواهر الاجتماعية الطبيعية، وللتربية والثقافة تأثير بارز في ظهوره في شخصياتنا، ويعود ذلك إلى التربية على التنافس منذ الصغر بحيث تكون قِيَمه ومعتقداته هي الدافع للقيام بسلوك وأعمال معينة، فقد عرّفه علماء الاجتماع أنه: تفاعل اجتماعي يَنشأ بين شخصين أو أكثر بغية الوصول إلى هدف معيّن، وسلوك ينتهجه الفرد لعدة أسباب سواء لخوض غمار التسابق من أجل الحصول على شيء معين أو للدفاع عن النفس أو للسيطرة.
ويعد التنافس أسلوب تربوي غالباً ما يكون إيجابياً مع عدم نكران أن له جوانب سلبية وقد تكون له آثار على الطرف الآخر، فهذا النوع من التنافس السلبي في الغالب لا يورث إلّا الشحناء وكثرة الخلافات، وهو سبب في هدر الطاقات وتأجيج الصراعات المشحونة بالأنانية التي يسعى صاحبها لبلوغ أهداف وغايات فردية وتحقيق منافع شخصية، أما الفريق الآخر – التنافس الإيجابي – فيرى أن هذا النوع من التنافس هو مدعاة للتفوق والإبداع لإخراج أفضل ما لديهم من مواهب وطاقات، فالتنافس بين بني البشر أمر فطري؛ ولأننا نتكلم عن العلاقات الإنسانية يمكن القول أن هذا التنافس لا يمكن أن يتم إلا بوجود الطرف الآخر، ورغم أن البعض يضعه في غير موضوعه إلا أن ثماره لا يمكن أن تحصد إلا من خلال وجود الطرف الآخر، فالتنافس له عائد إيجابي في حال ما إذا كانت له ضوابط معينة يُحْسَن استخدامها، فمن الممكن أن يكون حافزاً مشجعاً لبذل ما يستطيعه والتسابق مع أقرانه، والتشجيع له دور بارز في نجاح ذلك التنافس لتحفيز الأفراد لإخراج مكنونات أفكارهم وإفراغ مخزون طاقاتهم لبلوغ أعلى مستويات الأداء والعطاء والإنتاج سواء أكان ذلك على المستوى الشخصي أو المجتمعي أو العملي.
ولما تقدم بيانه فإن المؤسسات التي تنتهج في عملها مبدأ العلاقات الإنسانية لا ريب أنها ستقطف ثماراً يانعة من خلال تقديرها للآخرين وحفظ مودتهم، فالعلاقات الإنسانية تحقق سلطة غير رسمية تعمل على تقديم الدعم لها ومساعدتها على تقبل الآخرين لها، وتعد الأفضل والأقوى من السلطة الرسمية.