العمقات
نصراء بنت محمد الغماري
منذ الطفولة كانت هناك عبارة تخطف جدتي – رحمها الله – بها أذهاننا ودهشتنا، وخاصة عندما نقوم بتصرف لا يرضيها ولا يعجبها، فتطيل في الضحك ثم تقول : شربي العمقات..
كلمة العمقات غريبة علينا نحن الأطفال – في حينها-، فبالكاد نعرف قرانا والقرى المجاورة، وما يتم قوله في الجلسات التي نسمعها بالصدفة من الأهل أو الضيوف أحياناً، ولكن لم يكن أحد يذكر شيئاً عن العمقات، باستثناء جدتي التي تستمر في إطلاق العنان لحيرتنا كي تتعمق فينا، ويزداد الفضول الذي لا يصل إلى مكان..
تمر السنوات، ثم نعرف بالصدفة أن العمقات ما هي إلا قرية صغيرة في ولاية بدبد، فكلما كنا نمر بالقرب من الجبل الأحمر، كنا نرى الاسم على مرتفعات أحد جبال بدبد، بهذه المعرفة حاولت فهم عبارة (شربي العمقات)..
فـ شربي بمعنى اشربي..
وبعد البحث تبين أن العمقات ما هي إلا قرية جبلية صغيرة مرتفعة عن مسار الوادي الذي يسيل بعد هطول الأمطار، ولكن أراضي العمقات لا ترتوي من طمي الوادي، فقط تظل مشرفة من علو على مروره، لذلك لا تشرب من الوادي، لأن الأمطار تسيل عبر الجبل من السفح إلى القاع، ولا تستقر في العمقات..
المعنى والدلالة أنه يحصل أحياناً أن الإنسان لا يحصل على مراده، بغض النظر عن عمره أو منصبه أو موقعه الاجتماعي، تماما مثل العمقات..
العمقات في دلالتها، تعيدني إلى جو جدتي الذي تغلفه الفكاهة، على الرغم من الدلالة العكسية التي تحملها العمقات..