الاحترام….. قِيمةٌ إنسانية
هلال بن حميد المقبالي
الاحترام قيمة معنوية حضارية، وإحدى القيّم البشرية الحميدة والأخلاق السامية، التي ينبغي أن يتخلق بها الكل، و الاحترام مطلب نبيل يحث عليه الدين الإسلامي، والديانات الأخرى فهو أساس الترابط والتلاحم والتآخي و الانسجام بين المجتمعات والشعوب، ولو اختلفت معتقداتهم الدينية والقومية، لما له من أثر طيب بين الأفراد وتعاملاتهم الحياتية، وقد يختلف مستوى الاحترام بين الأفراد تبعاً لرؤية الفرد تجاه الآخر وعلاقته به، ويظل كل منا مدين للآخرين من حوله بالتعبير عن هذا الاحترام، بمختلف أنواعه ومستوياته.
الشعب العماني و بشهادة كل من زار عُمان أو تعايش مع هذا الشعب الطيب الكريم بمبادئه وقيمه سواء داخل عُمان أو خارجها يلتمس منه الاحترام والتقدير، فسمو أخلاق العُماني تجعله دومًا متميزًا عن بعض شعوب المجتمعات الأخرى، وهذه نعمة عظيمة اختصها لنا المولى عز وجل، ونشأنا عليها.
ولكن كما يقال ” دوام الحال من المحال” و بعيدًا عن المثالية التي دائمًا ما نريدها ونتمناها أن تكون حاضرة في جميع أمورنا وتصرفاتنا وعلاقاتنا، إلا أن هناك بعض التصرفات التي نلاحظها بعيدة عن قيم الاحترام -على حسب تقديري ونظرتي للموقف- ومن هذه السلوكيات التي يقوم بها البعض وهم قلة بطبيعة الحال: ارتداء الملابس الرياضية، كما تسمى (الفانيلة والهاف) في بعض المحلات التجارية والمنتزهات العامة، غير مبالين باحترام من يتواجد معهم في هذه الأمكنة، وغير مراعين لخصوصية المكان ومن يرتاده من عوائل وأفراد، من بينهم نساء ووافدين، ينظرون إليهم نظرة مقت واستنكار للوضع، ولو أنه لبس “بنطالاً” لأصبح وضع اللبس أفضل، والأقبح من ذلك عندما تكلمه بكل أدب وأحترام أن اللبس هذا غير مناسب في مثل هذه الأمكنة ويُفضل أن تختار اللبس المناسب لهذه الأمكنة، يرد لك وبكل وقاحة -أنا ما جاي بيتكم-، و أنا حر فيما ألبس ، فكيف تتعامل مع مثل هؤلاء؟
وكذا الحال يذهب البعض إلى المراكز والمجمعات الصحية الحكومية والخاصة، والمساجد، والأسواق بجلابية النوم، وغيرها من الأماكن، وبالرغم من كل الرسائل الناصحة والمانعة من لبس هذا النوع من اللباس في الأماكن العامة، إلا أن البعض يأبى التقيد، والامتثال لهكذا نصح، وكأن لباسنا الرسمي أصبح هذه الدشداشة، والكذب في التعامل، و رفع الصوت والتلفظ بألفاظ لا تليق بمن هو أكبر منا سنًا. و هذا السلوك هو ما جعلني أكتب في موضوع الاحترام وهذه الظاهرة السلوكية، و التي أصبحت أكثر انتشارًا في مجتمعنا، وفي هذا السياق أتذكر موقفًا أتعبني حينها!!، كنت زائرًا أحد الأصحاب في منزله، وأثناء جلوسي معه ومع بعض أفراد عائلته من الذكور، في مجلس خارج المنزل، وفي لحظة ما طلب من أحد الموجودين أن يأتيه بشيء ما من داخل المنزل، وما هي إلا برهة و أسمع علو الصوت من ذلك الشخص الذي طلب منه أن يأتي بذلك الشيء، ويسوق الكلمات القاسية لصاحبي، الموقف الذي تركني في حالة من الصدمة والذهول، وما زاد ذهولي في الموقف قوة تحمل و صبر ورباطة جأش صاحبي من ردة فعل هذا الشخص، حيث ظل صامتًا وفي هدوء تام، رغم نظرات الآخرين المقيتة لذلك الشخص وتصرفه اللأخلاقي قبل أن يكون بعيدًا عن قيّم الاحترام، متجاهلاً وجودنا، وَضاربًا بوجوب احترام الضيف عرض الحائط، والذي خرج بعد هذا الموقف و لم يعد أثناء وجودي، وأثناء الحديث مع صاحبي سألته: -من باب الفضول ربما- من هذا الشخص، ولماذا تصرف هكذا؟ فقال هذا أخي للأسف الشديد، تربى عندي وصرفت عليه مذ كان في المهد فقد توفي والدنا وعمره لا يتجاوز الخمسة أشهر، وأعامله معاملة أولادي وربما أكثر حتى كبر واشتغل وتزَوج، ولكنه تغير فجأة بعد وفاة والدتي، والسبب حسب اعتقاده بأني استوليت على حصته المالية في ميراث والدنا، والكل يعلم أنه مخطيء و بعكس ما يدعي سددت الدين الذي كان على والدنا رحمة الله عليه، واشتريت البيت من أخواتنا و تنازلت عنه ليكون له ملكاً إكرامًا لوالدتي وتقديرًا لظروفه المادية، رغم ذلك وضعه كما رأيت بنفسك، وكانت أمنا تقول له دائمًا منذ أن بدأ يتكلم بهذا الأمر أن هذا الكلام غير صحيح وأخوك له الفضل عليك، ولكن لم يكن مقتنعًا من ذلك، فمن أوصل له المعلومة غسل بها مبادئه، و غواه عن رشده؟، و رغم كل ذلك فما زلت أقربه إليَّ وأحترمه، وأعامله كسابق عهده وأكثر، داعيًا الله أن يهديه ويبعد عنه من يقوده لهذا التصرف.
هناك العديد من هذه السلوكيات و المواقف التي لا يستوجب الوضع في طرحها، و ربما تصادفونها في حياتكم اليومية، في المجتمع والعمل، هذه السلوكيات الكثيرة التي أخذت منحنى مغاير عن مبدأ الاحترام الذي عهدناه في سنوات نشأتنا ولازمتنا إلى الآن، هذه السلوكيات التي باتت تؤرق القيم الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع إذا تفشت ولم يُوضع لها حد.
تبقى أهمية الاحترام في المجتمع مطلب إنساني وقيمة أخلاقية عالية، ولهذه الأهمية الأثر البالغ لنجاح أي علاقة يقوم بها الفرد في مختلف البيئات التي يعيش فيها، من خلال احترامه لذاته أولًا ، فإن احترام الغير لا يأتي إلا باحترام الذات فكل منهما مرآة تعكس للآخر الجانب الآخر، وكلاهما يكمّلان بعضهما البعض، ومن المؤكد أن من لم يحترم ذاته لن يستطيع احترام الغير، ومن لا يحترم غيره فهو بالتأكيد لا يقدّر ذاته، و تنعكس هذه العلاقة عند التعامل بمفاهيم راقية كحسن الخلق، والتصرف الأخلاقي، والتلفظ بما هو حسن وتقدير الآخر، والاعتذار عند الخطأ بكل أخلاقية، وحسن تصرف.
لديمومة هذا الاحترام المتبادل لا بد من تكريس مبدأ الاحترام وغرسه لدى الأبناء، متجاهلين خلافاتنا -إذا كانت موجودة- بعيدًا عن النشء وأن نرصد لهم كل معاني الاحترام في تعاملنا، من صدق قول ومحبة وتسامح، ورقي تعامل للنهوض بمستوى أرقى للنشء ليرتقوا بمجتمعهم للأفضل، وذلك من خلال سلوكيات لا بد أن يتصفوا بها، وهي ما كان آباؤنا يمارسونها في بيئتهم ونشأنا عليها، وربما البعض منا افتقدها في هذه الأجيال التي بعدت عن منهج مدرسة السبلة فتلاشت الخصوصية واحترام الذات!!، ومن هذه السلوكيات التي تبني الاحترام وتقوية:
1. الوقوف تقديرًا لكبار السن أثناء دخولهم إلينا وخروجهم عنا، وإفساح المجال لهم وعدم تقدمهم في الأكل و الشرب، وتناول القهوة، وفي الدخول أو الخروج إذا كانوا برفقتنا، والتحدث معهم بصوت هاديء وعدم رفعه إلا للضرورة، وإذا استحق الأمر ذلك فقط، ولا نرفع الصوت عليهما إذا بدر منهم شيئًا يسيئنا.
2. الاصغاء لمن يتكلم دون مقاطعته، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، لزرع الثقه في المتكلم.
3. عند التجمع يجب الاستئذان من الجميع أثناء الخروج المفاجئ لظرف ما، أو الانصراف.
4. الاعتراف بالخطأ بكل لباقة وحسن تصرف.
5. التقيد باللبس المناسب والمرتب في المساجد و الأماكن العامة، والمراكز التجارية، والزيارات العائلية الخاصة و العامة، وحتى في ترحالنا يجب التقيد بلبسنا المناسب لنعكس للآخر مدى احترام ذواتنا و هويتنا، ولنجعل هذه السلوكيات، والكثير من السلوكيات التي نشأنا عليها، عادة لنا نتصرف بها أمام آبائنا ، لتكون المظلة الواقية لقيم الاحترام التي نريدها أن تظل لهم أبدًا، والتي وللأسف الشديد بات بعضاً منها يتلاشى في بعض التجمعات المجتمعية ذات التطور المدني، وربما هذا يكون الثمن لهذا التمدن إذا صح التعبير.
يظل الاحترام إحدى المشاعر البشرية النبيلة والأخلاق السامية الثمينة التي تجمل حياتنا ومعاملاتنا، وهو أساس القيم الأخلاقية في أي مجتمع كان، رغم ما يشوبه من مفردات متناثرة تقلل من أهمية الاحترام وتجاهل مبادئه وقيمه، و لكنها في تصوري تظل حالة نشاز مؤقتة لا أكثر.