في قاعة الانتظار “الجزء الثاني”
خلفان بن علي بن خميس الرواحي
من الباب تدخل امرأة أخرى، في حركتها سرعة، وعلى ملامحها الغضب من أمرٍ ما، تلك المرأة لم تكن مثل الأخريات بلباسها العاديّ البسيط، دون أيّ إضافاتٍ على عباءةٍ عادية، وخفّ يلامس الأرض، عندما تتحرك يلتصق بالأرض، ثم يعود ويضرب في عقبيها فيصدر صوتاً كأنه طلقة مدفع، تحاول أن تقلل من ظهوره بالمشي رويداً رويداً، لكن حالتها النفسية تلك اللحظة ضاعفت الأمر.
تنظر إليها فتاة الاستقبال وهي متعجبة، وهناك العيون من بعيدٍ ترمقها والجميع في ذهولٍ من تصرفاتها، إنها همجية في الحركة، الكلّ كان يقول في نفسه هكذا، وإن لم يتفوه بعدُ بكلمةٍ لأن الكلمات واقفةٌ في الحناجر تصل للمخارج، ولا تجرؤ على الخروج، فتاة الاستقبال كالعادة بالابتسامة الصفراء، ترحب بها وتطرح عليها السؤال: كأنكِ غضبانة من أمرٍ ما ؟ في عجالةٍ ردت، وبغضب: نعم تلك المرأة التي خرجت من هنا قبل قليل، ماذا تظن نفسها؟
الفتاة: من تقصدين؟
المرأة: تلك أنثى الطاؤوس، هل هذا المكان قاعة أعراسٍ حتى تظهر بهذا المظهر؟ أين الاحتشام والعفة؟
هذا حالها هنا لو أنها كانت في مناسبة ماذا سيكون؟ الفتاة: ما عليه عزيزتي، وهي تخفض رأسها خجلاً، تفضلي، تسير وقد انطفأ غضبها قليلاً وجلست مقابل الاثنتين الأخريتين بعد أن ألقت عليهنّ السلام، ورددنَ في هدوءٍ واحترامٍ خوفاً من أن يصيبهنّ شيئاً مما أصاب الثلاث، جلستْ في حالها وتناولت تلك الحقيبة التي تحملها، لم تكن عاديةً بسبب حجمها وشكلها غير المألوف، دسّتْ يدها التي تبدو أنها خفيفة وليّنة، وتناولت كتاباً من داخلها، وبدأت في القراءة ليست عابئةً بمن حولها، فهي تعيش في عالَمٍ آخَر في الجانب المقابل، ما زالت الامرأتان تنظران لتلك المرأة بكلّ استغرابٍ وريبة، لا تتمالك إحداهن نفسها وتحمل نفسها إليها، وتلقي التحية والسلام عليها بهدوء: أيمكنني الجلوس معك؟ رفعت عينيها عن الكتاب وفي لغةٍ جميلةٍ وبأسلوبٍ راقٍ قالت: على الرحب والسعة، يسعدني، جلست وهي تطالع فيها. أتقرئين؟ ردّت عليها: نعم رواية البؤساء لفكتور هوجو.
المرأة تلك ظهر عليها، وكأنها لم تسمع عن هذه الرواية من قبل، ولم تطّلع عليها ولكنها أرادت أن تجاريها في الحديث، لتصل للهدف الذي جاءت من أجله من مكانها، فقالت: روايةٌ جميلةٌ لكاتبٍ أمريكيّ قرأتها منذ فترة، في سرعةٍ ردت عليها: ومن قال أن هوجو أمريكي، إنه فرنسي الجنسية.
ردّت في سرعة متداركةً خطأها: نعم هذا صحيح قد اختلطت المعلومات في ذهني قليلاً، ردت عليها المرأة: رواية فكتور هوجو نشرت سنة 1862، وتعدّ من أشهر روايات القرن التاسع عشر، إنه يصف وينتقد في هذا الكتاب الظلم الاجتماعي في فرنسا، بين سقوط نابليون في 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832.
تلك المرأة لم تأتِ حتى تتعرف على البؤساء وفكتور هوجو .
انتظروا مزيدا من الأحداث في الجزء القادم .