2025
Adsense
مقالات صحفية

إن وراء كل نظام صحيٍّ عظيمٍ رعايةً صحيّةً أوليّةً عظيمة وأطباء أسرة عظماء

الرعاية الأولية من المهد إلى اللحد

د. يعقوب بن سليمان اللويهي
اختصاصي طب الأسرة

وحين أرادت مشيئة الله-تبارك وتعالى-أن تكون قالَ كلمته، فخلقك من نطفةٍ ثم سواك فعدلك. ومنذ اليوم الأول-وأنت في رحم أمك- تذهب؛ لتتلقَّى الرعاية الكاملة عند طبيبة النساء؛ لتقوم بالفحوصات السريريّة والمخبريّة، وتدوّن كل خلفياتها الصحيّة، ثم تنظّم لها المواعيد، وتراقب سير الحمل بشكل مستمرٍّ، وتلبّي كل احتياجاتها من دعمٍ نفسيٍّ وتثقيفٍ، بالإضافة إلى القياسات المستمرّة للعلامات الحيويّة، والفحوصات والأشعات التصويرية؛ للاطمئنان على صحّة الجنين حتى آخر أيام الحمل، وهي على أهبة الاستعداد؛ لرفع مستوى الرعاية متى ما استدعت الحاجة لذلك.

ثم خرجتَ إلى هذه الدنيا.. وما إن تُكمل أسابيعك الأولى حتى تعود إلينا؛ لنقوم بالاعتناء بك، والتأكّد من أخذك التّطعيمات اللازمة لمدة سنتين كاملتين، ومراقبة نموّك، والكشف المبكر لأيّ أمراض دم وراثيّة. وفي الوقت ذاته لا زالت أمّك-حفظها الله لك- تُكمل مسيرة الرعاية ما بعد الولادة، وحتى تتفرّغ للعناية بك، ولأجل صحّتها؛ يكون الاعتناء بها تحت برنامج المباعدة بين الولادات، وتعزيز الرضاعة الطبيعية.

واستقام عودك-يا أخي الغالي- وكبرت، وحانَ وقت دخولك المدرسة، فيستقبلك برنامج الصحة المدرسية؛ لاستكمالِ العناية الصحية لك وأنت في المدرسة، ومتابعةِ ما تبقّى من تطعيمات، وفي الوقت ذاته تقديم الرعاية الأساسية لأيِّ مشكلة قد تحدث لك وأنت في المدرسة، وفي أي لحظة يقوم الممارس الصحي بالتنسيق مع المؤسسة الصحية؛ لتُرسَلَ إلى هناك؛ لأخذ العناية الكاملة متى ما اقتضى الأمر.

ولا تخلو أيام صباك – حين بدأت تفقد أسنانك اللبنية- من زيارة طبيب الأسنان الذي يقوم بالاعتناء بصحة فمك وأسنانك التي هدمتها بكثرة الحلوى!

وحين تغادر المدرسة؛ لتلتحق بالدراسات العليا، وتكمل سنّ العشرين ندعوك لزيارة برنامج الفحص المبكر لما فوق العشرين سنة؛ ليُكشف عليك، ويُعمل لك الفحوصات؛ للتأكد من خلوّك من أيّ أمراضٍ مزمنة، أو عدم وجود علامات خطرٍ تستدعي التدخل المبكر.

ثم تخرجت وتقدمت للعمل في المهنة التي كنت تحلم بها، ووفقك الله إليها، حينها نكون سعداء بزيارتك لنا؛ للقيام بالفحص الطبي لك، وتزويدك بتقرير طبيٍّ؛ كي تسلّمه إلى جهة العمل. وبعدها قررتَ أن ترتبط بشريكة حياتك، وقبل أن تصلنا دعوة عقد قرانك ندعوك لزيارة برنامج فحص ما قبل الزواج؛ لتضمن خلوّك من أيّ أمراض وراثية، وتضمن – بإذن الله- حياةً زوجيّةً صحيّةً، سائلين الله-جلّت قدرته- أن يرزقك الذرية الصالحة.

وإن اقتضت حكمته تأخر الحمل-لا كتب الله ذلك- نكون بجانبك؛ لتقديم المساعدة في البحث عن مشكلات العقم، وعمل الفحوصات اللازمة لذلك، والتنسيق مع الرعاية الثانوية متى ما استدعى الأمر.

وحين تكمل الأربعين ندعوك مرة أخرى لزيارة برنامج الفحص المبكر لسنّ ما فوق الأربعين؛ للاطئمنان على صحتك، والتأكد من خلوك من أمراض العصر.

فإن أصبت بأيّ منها كالسكري أو الضغط أو الكوليسترول-وقاك الله منها- فهناك برنامج العناية بالأمراض غير المعدية؛ لتقدّم كل العناية لك من فحوصات سريرية ومخبرية، وتثقيفٍ ونصائح في التغذية، ومتابعتك بشكل مستمر. وهناك أيضا برنامج العناية بمرضى الربو الذي يقدم العناية الكاملة.

وحين تكمل الستين-أطال الله في الخير عمرك- تتكرر دعوتنا لك؛ للقيام بفحص سريري شامل، وكذلك إجراء فحوصات مخبرية. فإذا اتضح أنك تعاني من أي مشكلة صحية-لا كان ذلك- سيحصل التعامل معها، وتقديم ما يلزم.

ولا ننسى أيضاً التعاون مع المؤسسات الأخرى، والجمعيات، والفرق الخيرية التي تقدم الدعم، وتوفير اللوازم الطبية لذوي الاحتياجات الخاصة والمقعدين في منازلهم الذين تكون متابعتهم وزيارتهم بشكل دوريٍّ من قبل ممرض، أو ممرضة العناية بالمجتمع.

وطوال هذه المسيرة تبقى الرعاية الأولية البيتَ الأول الذي يستقبل جميع طوائف المجتمع على اختلاف مشكلاتهم الصحية؛ لتقديم كل الرعاية اللازمة.

هذا البيت الذي يشارك المجتمع، بيتٌ يتوسط الحي، قريبٌ من ساكنيه، بابه مفتوح لأجلهم في أي وقت، يشاركهم حياتهم، ويبحث بشغف؛ من أجل توفير بيئة صحية أكثر من خلال اللجان الصحية.

وأنت أين ما وليّتَ وجهك تجد اللوائح التثقيفية، والملصقات الصحية التي تستقي رواءها من الرعاية الأولية.

هذا البيت الذي تولى إدراته وتطويره طبيبُ الأسرة الذي يسعى لتطوير الخدمة، والارتقاء بالمنظومة الصحية، ورفع الكفاءة لتقديم ما هو أفضل؛ فهو-لو أمعنا النظر- طبيب الطوارئ، وهو طبيب الأمراض الباطنية والأطفال والعيون والجراحة .. إلخ ..هو قائد الفريق في أسفل الهرم الذي يسعى لتوسيع قاعدته، ويتصدى للفلول المتوجهة إلى الرعاية الثانوية والثالثية.

هو رافع راية الفيلق في الجائحات والكوارث، يواجه الخطر؛ ليمنع اختراق الصفوف. وجائحة كورونا-لمن تأمّلها- خير شاهد، وما أكثر الشواهد!

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights