في قاعة الانتظار
خلفان بن علي بن خميس الرواحي
في تلك القاعة كانت ثلاث نساء في الانتظار جلست كل واحدة منهن على كرسي مفرد، وقد وضعن الرجل الأولى على أختها، مظهرهن يدل على الثراء أو لنقل أنهن من النساء العاملات، قد يكون هذا اللقاء الأول لهن ولم يجتمعن من قبل لقاءات سابقة في هذا المكان رغم أنهن من المترددات عليه، وظهر ذلك جلياً من استقبال موظفة الاستقبال الجالسة هناك خلف ذلك المكتب الخشبي وقد تأنقت في ملابسها ووضعت شيئا من أقلام الشفاه عليها لونه بين الأحمر والوردي، لم يضف جمالاً أكثر من كونه شد الانتباه لها، وأنها هنا حاضرة للاستقبال والترحيب، ابتسامة دائمة على ثغرها الذي يظهر أسنانا بيضاء جميلة، انتظمت مثل حبات اللؤلؤ، لو بانت بدون ذلك الروج لظهرت أجمل. مع هذا كل من يدخل لابد أن يقف عند طاولتها برهة من الزمن لست أدرى لماذا؟ حديث طويل وأخذ ورد بينهما قد يكون نوع العطر المختلط بشيء من البخور هو
الذي يجبر الكل على الوقوف أمامها متسمرا.
هناك في الجانب الآخر مازالت النساء الثلاث جالسات في تقارب وتعارف، هنا المنظر يختلف كثيراً عن تلك الفتاة خلف الطاولة، لبست إحداهن عباءة بلون أخضر فاتح موشحة ببعض الزخارف الإسلامية مع شيلة من نفس اللون، وأظهرت خصلات شعرها الذهبي الذي صبغته ربما بالأمس لهذه الزيارة. الحذاء والحقيبة وبعض الاكسوارات الأخرى متناسقة تناسق مع اللباس،وكانت العباءة مفتوحة، أظهر وضع القديم بنطلون الجينز الذي كانت ترتديه، حاولت مرات أن تخفيه بالعباءة ولكن عبثاً تفعل ذلك، لم تضع كثيراً من المساحيق على وجهها لأنها جميلة هكذا بدون إضافات . فقط بعض اللمسات أعلى الجفون لتظهر جمال العين التي كانت تميل إلى اللون البني، كانت تدير
الجلسة فهناك أسئلة تطرح من اللاتي معها، المرأتان الأخريتان كانتا بنفس الأناقة ولكن لا يصلان لها. بدأت رحلة التعارف بينهن تحدث الأولى بصوت رقيق مال إلى الليونة، وفيه من الدلع الكثير وهي تخرج الكلمات، الكل يحدق فيها.. أنا موظفة في أحد شركات القطاع الخاص والحمد لله راتبي مرتفع.. وكما يقال مرتاحة لا زوج ولا ولد.. لدي سيارتي الخاصة .. تفتح الهاتف وتقترب منهن هذه سيارتي مرسيدس.. هذه مجموعة من الصور لها .. مع بعضهن البعض.. ما شاء الله سيارة جميلة الله يعطيك خيرها ويكيفك شرها. تعيد الهاتف إلى حقيبتها الماركة وترفعها قليلاً لتضعها على ركبتها وكأنها تنتظر السؤال عنها من الجالسات أمامها. لم يدم الانتظار طويلاً.. هذه الحقيبة من بوتيغا فينيتا.. صناعة ايطالية فاخرة، من أجود أنواع الجلود العالمية وتحمل اسم العلامة التجارية الأشهر في عالم الحقائب .. أصلا كل أغراضي من إيطاليا وغيرها من دول العالم.. إطلاقاً لا أشترى من هنا، وحتى أن اشتريت لابد تستورد من الخارج.. أنا لا أرضى إلا بالماركات العالمية في كل شيء، حتى الروج والعطور تقترب أكثر منهن وتخفض من صوتها العالي سابقا .. وتهمس وحتى الملابس الداخلية -وهي تضحك – تأتيني من الخارج .. كانت كل واحدة من الامرأتين تنتظر الدور في الحديث ولكن تأتي موظفة الاستقبال: تفضلي بالدخول -تشير إلى صاحبة العباءة- تستأذن وقبل أن تتركهن، تخرج بطاقة من حقيبتها.. هنا تجدن أرقام هواتفي، انتظر منكن رسالة في الواتساب .. نلتقي على خير .. تنهض وتمشي مشية الطاؤوس المعتد بجماله، والعيون تراقبها والعباءة خلفها، وصوت كعبها العالي يصدر موسيقى وهو يداعب أرضية الممر، ويظل الصوت يتردد إلى أن يتلاشى في النهاية.
وللقصة بقية ترقبوها في الجزء الثاني