كفاكم عبثاً بالأطفال
أبرار بنت ناصر الحضرمية
لكل إنسان الحق في العيش ضمن شروط توفّر له احتياجاته الأساسية على الأقل، وتمكّنه من العيش الغيـر المُهين، وإن حق الأطفال في الحياة من أهم القوانين التي ارتكز عليها القانون الدولي، ويعرف الطفل حسب اتفاقية حقوق الطفل على أنه “كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر”.
ويشكل الأطفال إحدى أكثر الفئات المعرضة للاضطهاد في العالم، ويرجع ذلك إلى ضعف هذه الفئة مما يجعلها بحاجة دائمة للحماية والرعاية، ولكننا نرى إن ظاهرة تجنيد الأطفال في المعارك باتت قضية مؤرقة للعالم أجمع، ولقد عانى المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة من هذه الظاهرة التي أصبحت تتزايد مع تزايد النزاعات المسلحة، لما تحمله من نتائج وخيمة وخطورة بالغة ليس على الأطفال فقط، بل تتجاوز لتهدد السلم والأمن الدوليين.
فأصبحت تمثل تحدٍ كبير بالنسبة للدول وللعديد من المنظمات والجهود الدولية وذلك من أجل معالجة آثارها التي تستمر طويلاً، والتي من أسوء آثارها اعتناق الأطفال لمعتقدات يرفضها المجتمع.
ولقد عمد المجتمع الدولي إلى محاربة جريمة تجنيد الأطفال من خلال الاتفاقات الدولية، ومن بينها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، والتي تنص على أهمية توفير الحماية للأطفال خلال الأعمال الحربية، ونتيجة للنقصان الذي لازم بنود الاتفاقية فلقد تم إقرار البروتوكولين الإضافيين الملحقين باتفقيات جنيف والموقعين لعام 1977م، واللذين جاء النص فيهما على تجريم تجنيد الأطفال في الأعمال العدائية.
كما اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية في سنة 2002م تجنيد أو توريط أطفال تقل أعمارهم عن 15 عاماً في نزاع مسلح، جريمة حرب، إلى جانب جملة من القوانين والمعاهدات التي صدرت والتي تمنع تجنيد الأطفال وتحث على تسريح المجندين منهم، والمساعدة على إعادة إدماجهم في المجتمع وتوفير الحياة الكريمة لهم.
وعلى الرغم من كل هذه القوانين والمعاهدات إلا أن ظاهرة تجنيد الأطفال ما تزال تشكل كارثة إنسانية تتوسع وتزداد يوماً بعد يوم في مناطق متعددة من العالم، والتي تتطلب تدخلاً أكثر حدة لوقف هذه الظاهرة ومجابهتها بكل الطرق والوسائل حفاظاً على فلذات أكبادنا، فنلاحظ بأن هناك أطفال انتحاريون في العديد من الدول كما هو الحال في العراق، وأطفال يعملون كأعضاء في عصابات مسلحة، ومقاتلون دون العاشرة نراهم في السودان وأفغانستان، وأطفال في صفوف المحاربين في اليمن.
ولا يجب أن ننسى بأن هؤلاء الأطفال يعدون ضحايا، وأن مشاركتهم في الحروب جريمة سينتج عنها جيلاً إرهابياً، فهولاء الأطفال الذين تربوا على مشاهد العنف والتفجير والقتل، سينشؤون وهم يعتبرون أن القتل جزء من الحياة اليومية، فضلاً عن الآثار النفسية والصحية والإجتماعية المترتبة عن تفشي هذه الظاهرة، فمتى ما تم تجنيد الأطفال وإشراكهم في القتال فإن تدريبهم يجري بطريقة تستهدف تحطيم صلاتهم بالمجتمع وبأسرهم، وتغيير قيمهم ومبائدهم الأخلاقية.
كما أن بعضاً منهم يرغم على الاشتراك في قتل أفراد أسرهم بحجة تعليمهم القسوة والقوة لكي يصبحوا مقاتلين أشداء، ناهيك عن تعرضهم للموت و التيتم والإصابة بجروح التي ستترك آثاراً طويلة بعيدة المدى بسبب صعوبة حصولهم على الرعاية الصحية اللازمة، كما أنهم قد يتعرضون للسجن أو التشوية أو الاعتداء الجنسي، فقد كشف تقرير الأمين العام للأمم المتحدة السنوي حول الأطفال والصراعات المسلحة، “أن عام 2018 شهد أعلى مستويات لأعداد الأطفال القتلى أو الجرحى في النزاعات” منذ أن بدأت الأمم المتحدة في رصد هذه الانتهاكات الجسيمة والإبلاغ عنها.
وهنا علينا أن نتفكر قليلاً في الأسباب التي قد تكون وراء اندفاع الأطفال نحو صفوف القوات المسلحة والميلشيات، والتي قد تعود إلى اتساع رقعة النزاعات المسلحة وانهيار لمنظومة العدالة المعنية بالأطفال، وإقصاء منظمات المجتمع المدني، وانهياراً لمؤسسات الدولة التي تقدم خدماتها للأطفال، وقد تكون نتيجةٍ لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو دينية، أو بيئية أو مذهبية، أو بسبب سوء المعاملة إذا ما تعرضوا لضرر بدني أو نفسي، أو الإجبار على تنفيذ أفعال تنطوي على مخاطر بدنية صحية أو نفسية معنوية والتي تمنعهم عن التمتع بحقوقهم وحرمانهم من التربية والرعاية وتوفير حاجاتهم الأساسية.
ويتم استقطاب هؤلاء الأطفال من خلال سيطرة الجماعات الإرهابية على وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة المختلفة والتي من بينها المدارس بحيث تكون مستهدفة من خلالها يتم تقديم محاضرات تدفع بالأطفال نحو التجنيد، وكذلك عن طريق التقاطهم قسرياً من الأماكن العامة كالأسواق ومحاولة إغراءهم للإنضمام لصفوف المحاربين سواء لدافع الحصول على المال أو من أجل الثأر والانتقام، كما أن بعض الأسر تجبر على القبول بتجنيد أبناءها وذلك من أجل تحسين مستوى معيشتهم.
كل ذلك يتطلب تدخل مغاير تماماً عما كان في السابق، وذلك من خلال إحلال الأمن والسلام، والتخفيف من حدة النتائج الكارثية التي يتكبدها هؤلاء الأطفال وأسرهم والمجتمع بشكل عام، ومعالجة آثار الحروب والصراعات، ووضع تشريعات أكثر حدة ووضوح تمنع وتجرم تجنيد الأطفال وتحدد فيه العقوبات التي تنتظر من يقوم بهذا العمل الإجرامي، وإعداد ملف قانوني وتبنيه من طرف منظمات حقوق الإنسان، والعمل على جمع الأدلة والشهادات الميدانية، ورفع دعاوى ضد من يرتكب مثل هذه الجرائم أمام القضاء الدولي، وتكثيف التوعية في أواسط الجمهور على كافة المناحي الثقافية والدينية، والإعلامية، لرفع الوعي بمخاطر الانتهاكات التي تصاحب الحرب، ولبيان مخاطر تجنيد الأطفال على سلامتهم وصحتهم النفسية والجسدية وعلى الأمن والسلام الدولي، والتوسع في دعم منظمات المجتمع المدني القادرة على مواجهة هذه الظاهرة ورصدها بالاشتراك مع المنظمات الدولية.
وأخيراً كل ما نستطيع قوله بأنه يكفينا عبثاً وظلماً بفلذات أكابدنا، فعلينا أن نصنع جيلاً يبني ولا يهدم، ويصلح ولا يفسد.