ماذا بعد الصف الثاني عشر؟
د. طالب بن خليفة الهطالي
Talib.oman@hotmail.com
يمر العمر سريعاً وكأنه لحظات عابرة لا نلقي له بالاً، منذ أن كان طفلاً رضيعاً في يومه الأول على البسيطة وتدور الأيام ويكبر فيبدأ في المشي ثم الكلام وها هو في مرحلة التعليم النظامي وتمر الأعوام سريعاً فإذا به قد أتم الصف الثاني عشر، فماذا بعد ذلك؟ هنا نقطة نهاية البداية ومفترق الطرق، وهنا تبدأ الرحلة الحقيقية في حياة الطالب فما قبله كان تهيئة وتحظيراً واستعداداً للمرحلة التي تليها وهي المرحلة الجامعية و شق مستقبله المهني، ولأن التعليم من العناصر الرئيسة التي تعتمد عليها الأمم في نهضتها وتطورها وتقدمها فهو أساس البناء وسر نهضتها، وهو الدواء الناجع لمحاربة الجهل والتخلف ومكافحة الفقر، فكما قال الشاعر أحمد شوقي:
العلم يبني بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والكرمِ
كما أنه يضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة، والمتبصر في تاريخ الأمم يجد أن العلم له علاقة وطيدة بأسباب نموها وتطورها ورقيها وتقدمها، فهو نقيض الجهل الذي ولا ريب سبب رئيس في تفشي الفقر والتخلف،قال تعالى: (( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)) [ القرآن: المجادلة . 11]، وقال رسول الله ﷺ :((منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنة)) [ الحديث الشريف. رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ].
ولبلوغ المراتب العليا في الحياة ولبلوغ أسمى الغايات يلزم لذلك التخطيط السليم، والوعي بالمتغيرات الحياتية التي تحدث وفهم مستجداتها وتقلبات الزمان والتفكير في المستقبل، فالتخطيط السليم المبني على رؤى واضحة وهدف محدد يعد من المسائل الرئيسة التي تشغل بال الكثير من الناس خاصة المجتهدين منهم، فحينما يعيش الفرد دون رؤية واضحة ولا هدف محدد فإنه يصاب بالخمول والتكاسل والاقتناع بواقعه وتنعدم لديه روح الحماس وحب النجاح والتفوق، فالتطلع للمستقبل يحتاج إلى تخطيط سليم وتنفيذ منظم دقيق، فبناء الأوطان يحتاج إلى سواعد أبناءها، ومسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطن، وبما أن التعويل على طاقات الشباب وقدراتهم ومهاراتهم أمر مهم فهم المحرك الرئيس والقلب النابض لدفع عجلة التنمية قدماً بخطى ثابتة ونمو متسارع إلى القمة.
إنَّ حب التعليم والتعلم عند الناشئة وإدراك معنى مفهوم المسؤولية الوطنية مطلب ضروري فالوطن يعتمد عليهم، وأنهم المحرك الحقيقي لتطويره، وتقدمه جانب مهم يجب الاهتمام به، إذ يعتبر تحديد الطالب لميوله وتوجهاته المستقبلية في مراحل تعليمه النظامي من العوامل التي تساعده على تحديد هدفه، وبالتالي اختيار تخصصه العلمي في المرحلة الجامعية أو مستقبله المهني وامتهان حرفة معينة أو الانخراط في سوق العمل مباشرة، فهذا كله يساعده في رسم خارطة الطريق لتحقيق أهدافه، ولا ريب أن ذلك يسهم في بناء الوطن وهذه من المسائل التي يجب الاهتمام بها أثناء العملية التعليمية النظامية وغرسها في أذهان الناشئة منذ الصفوف الدنيا وحتى الصف الثاني عشر.
وحيث أنه من الطبيعي أن ميول البشر وتطلعاتهم وقدراتهم وكفاءاتهم تختلف من شخص لآخر والحال نفسه عند الطلبة فإن هناك فئة منهم لديه ميول فطري تجاه الحرف كالزراعة والنجارة والكهرباء وغيرها من المهن والحرف الأخرى، فتجده ينقطع عن طلب العلم بمجرد إكماله الصف الثاني عشر وينخرط في سوق العمل ولا يعلم من أين يبدأ وكيف يتجه، وينتهي به الحال باحث عن عمل، أما إذا تم تنشأته وتنمية مهاراته وتهيئة البيئة المناسبة لتحديد ميوله، وتم فتح أبواب معاهد التدريب المهني التي تهتم بتعليم المهن والحرف، مثال: مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية الذي يستقطب طلابه من بداية الصف العاشر وفقاً للاشتراطات التي يضعها وبذلك يعلمهم ويؤهلم في مجال معين يكون فيه الطالب قد حدد مسار حياته العلمية وبعدها العملية.
إن الاهتمام بتأهيل الناشئة أمر مهم وضرورة يجب الالتفات إليها، فهم الطاقة الكامنة والكفاءة المرتقبة التي يحتاجها سوق العمل، ولا يتسنى ذلك إلا من خلال توفير البيئة المناسبة وتوجيههم الوجهة الصحيحة بما يتناسب مع ميولهم الشخصي، فإن هذا من الاستثمارات الناجحة التي تؤتي ثماراً ذات مردود إيجابي على المستوى الشخصي والمجتمعي والاقتصادي.