التعليم عن بعد خطوة نحو 2040
شهاير بنت خالد الكثيرية
منذ بزوغ شمس النهضة المباركة في سلطنة عمان والتعليم صار منبعاً لتطور و تجدد النهضة و تقدمها، فكان لابد من تلقي كل فرد من أبناء عمان للتعليم مهما كانت الظروف السائدة، فالعالم دائم التغيير وقطاع التعليم لابد أن يتسم بالمرونة تماشياً مع تحولات العالم. والسلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – أكد على ضرورة التعليم و تكييفه مع عالم دائم التغيير، ففي إحدى خطاباته قائلاً: “إننا نولي التعليم جل اهتمامنا، ونسعى لتطويره وتحسينه ورفع مستواه، وتحديث المعارف و تعميقها وإثراءها وتكييفها مع عالم دائم التغيير…” . ففي عام 2020 للميلاد شهدت قطاعات السلطنة وبالتحديد قطاع التعليم أحد أهم التحديات والمعوقات في ظل انتشار جائحة كورونا حول العالم، فأصبح قطاع التعليم تحت خيارات عديدة؛ إحداها تمديد فترة تأجيل الدراسة لكافة مؤسسات التعليم العالي والتعليم الحكومي والخاص، والأخرى البحث عن وسيلة مناسبة للتعليم في ظل انتشار هذه الجائحة. فكان الخيار الأنسب والذي تم تطبيقه هو التعليم عن بعد، وهي الفكرة التي غزت كافة المؤسسات التعليمية في السلطنة بشكل خاص، و الملفت جداً أن التعليم عن بعد يتوافق مع رؤية عمان 2040 في التعليم. فاتسم التعليم عن بعد بالعديد من السمات التي كانت بمثابة دليل على نجاحه في السنوات القادمة، ولكنه لم يخلو بتاتاً من التحديات والمعوقات التي من شأنها عملت على منح أسباب لإدارته بالشكل المطلوب و الصحيح.
وضّح جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابه قائلاً: ” إن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية …”، مؤكداً أن تطوير نظام التعليم بجميع مستوياته من أوليات الخطط الوطنية، وذلك لا يتم إلا من خلال تحديث وتطوير المناهج والبرامج التعليمية والتي من شأنها تعمل على منح الطلبة العمانيين القدرة و الامكانية على تلقيهم للتعليم بشكل علمي ومبتكر، كما تكسبهم الخبرة والمهارة في التعامل بمرونة و يسر مع التقنيات التكنولوجية المتجددة. فجائحة كورونا كانت أحد السبل للتركيز على التعليم عن بعد والذي يتم من خلال استخدام التقنيات التكنلوجية مثل الأجهزة اللوحية و أجهزة الكمبيوتر وكما أنها تتوافق مع رؤية التعليم 2040 في عُمان، لكن التعليم عن بعد واجه القبول من جهة و الرفض من جهة أخرى من قبل الطلاب و الكوادر التعليمية في كلٍّ من مؤسسات التعليم العالي والحكومي و الخاص.
اتسم التعليم عن بعد بكم مرضي من المميزات منها أنه يوفر إمكانية الدراسة في أي مكان و بأي وقت، كما يمنح الراحة و الوقت؛ بحيث تتيح فصول التعليم عن بعد للطالب و الكادر التدريسي حرية إختيار الأجواء المناسبة لتلقي وإعطاء المعلومات بأي مكان يضمن الهدوء والراحة، دون التقيد بمكان معين و هذا ما يساهم في زيادة فعالية الطالب. بالإضافة إلى أنه وهب الطلبه صفة الاعتماد على النفس من خلال طرق التعامل مع الأجهزة الالكترونية و تسجيل الملاحظات والبحث عن بعض التفاصيل من خلال شبكة الانترنت لترسيخ المعلومة أكثر بأذهانهم، وأيضاً القدرة على إدارة الوقت، و الأهم أنه عمل على زيادة بعض الكفاءة لعملية التعليم، ومع هذه المميزات كان لابد من وجود تحديات و عوائق للتعليم عن بعد و أولها ضعف خدمات البنية التحتية من شبكات الاتصال و بالأخص للطلاب القاطنين في الأماكن الجبلية البعيدة، وضعف إمكانية توفير الأجهزة الالكترونية لكافة طلبة مؤسسات التعليم العالي والحكومي و الخاص ، هذا ولا يمكن انكار حدوث المشاكل التقنية، كذلك التعليم عن بعد يقتصر لبعض التخصصات و من الصعب تطبيقه للتخصصات العملية، حيث يتم التركيز على الجانب النظري و اهمال الجانب العملي، ويرى بعض الطلبة أن محتويات المناهج التعليمية لم تتناسب مع فكرة التعليم عن بعد وبالتالي ستكون هناك صعوبة في فهم المقررات التعليمية لكونها تجربة جديدة.
نحن الآن نعيش واقع التعليم عن بعد، اكتسبنا منه العديد من الإيجابيات، وواجهنا العديد من التحديات و الصعاب التي لابد من وجودها لتقوي مسيرة التعليم ، فاتضح الهدف من وجود هذه الصعاب لأجل إبراز هوية وإنجازات الطالب التي لربما كانت مخبأة في مسيرة تعليمهم التقليدية، من جانب آخر نجد أنه ساعد كلاً من المعلم والطالب على صقل مهارات المستقبل وركز على جانب البحث والابتكار، والتنويع في اكتساب المعرفة على خلاف التعليم التقليدي والذي يستدعي حضور كل من المعلم والطالب لاكتساب المعرفة في زمان ومكان محدد، و التعليم عن بعد سوف يكون ناجح في سنواتنا القادمة؛ لأن المجتمع خطى أول خطواته في التغلب على أحد الفجوات والتي بينت ضرورة استخدام التكنلوجيا في العصر الحديث لتطوير الخبرات واكتساب المهارات الكافية لكل من المتعلم والمعلم.”.
الهدف الأساسي من رؤية عمان لعام 2040 هو الاستفادة من منافع التقنيات التكنلوجية و توظيفها في قطاع التعليم مثلما ذكرنا سابقاً، والتعليم عن بعد بداية موفقة للرؤية كما لوحظ له من مميزات، و رغم التحديات و العوائق استطاع الكادر التعليمي إعطاء بعض من متطلبات المنهج ، و تلقى الطلبة بعزمهم و صبرهم للمنهج والاستفادة منه، وكما ساهم في رفع قدرة الكادر التعليمي و الطلابي على التعامل مع التقنيات الحديثة في وقت مبكر جداً و اكتسابه مهارات مهمة لحياتهم القادمة. رغماً عن ذلك فإن التركيز في المعوقات والتحديات وعقبات التعليم عن بعد وإيجاد الحلول لها مطلباً أساسياً لنجاح هذه العملية و لو بعد 20 عام .