مقال: لا تلتفت
عفراء المياحيه
ونحن نطلق أنفاسنا في هذه الحياة لا بد من كون الخيانة أمرا متوقعا، سواء كانت من قريب أو بعيد.
في وقتنا الحالي ، الكثير من الفتيات والفتيان ما زالوا في عمر الزهور، وقد أغلقوا على أنفسهم باب الانعزال، لا يتحدّثون كثيرا، ولا يضحكون كثيرا ، والسبب في ذلك أن كثرة صدماتهم هي التي جعلت منهم أن يفضّلوا حياة الوحدة والصمت، وأن لا يفتحوا ألسنتهم وقلوبهم لأي كان من البشر.
نجد الكثير من الناس يقول ” أغلق عليك سرك في بئر”. وماهي سوى عبارة ينطقها صاحبها لمعرفة المزيد من الخبايا. فلا يُلام الإنسان على انعزاله؛ لأنه من الطبيعي لا يريد أن يقع في الحفرة نفسها.
ليس في لسان الإنسان عظمٌ كي يتحكم به، لكن يوجد بداخله ضمير، يؤلمه كلما أخطأ، ويريحه كلما أُصاب، يوجد في الإنسان أذنان يسمع بهما ما يخرج من لسانه، فليس هناك عذر لكل من خان وكذبّب صاحبه!
يقول” إبراهيم أصلان” : ” يجب أن لا تتحدث عن الحب، بل عليك أن تتحدث بحب، فكل النصابين يجيدون أحاديث الهواء”
لكل فعل ردة فعل .هذا ما تعلمناه من أيام المدرسة، وعندما يُصاب الإنسان بخيانة ما ،فمن المتوقع أن تقع النار في قلبه، وأن يمتلئ خوفا وحقدا ، يتمزّق داخله، يريد أن ينتقم بأي طريقة كانت. و الحقيقة أن قلة منا من يتصف بالحلم والذكاء في هذه المواقف الأليمة، ولو أن الإنسان يثق بالله تعالى ومن ثم بنفسه، ويتعلّم من أخطائه السابقة ، لكان الآن يتجه نحو الطمأنينة والراحة.
قال عبدالله بن عباس :” لو قال فرعون لي: بارك الله فيك، لقلت وفيك”.
قرأتُ مرة ” يوم من الأيام جلس عجوز حكيم على ضفة نهر، وراح يتأمل في جمال الكون، بعدها لمح عقربا ،وقد وقع في الماء، يحاول أن ينقذ نفسه من الغرق. قرر العجوز أن ينقذه، مدّ إليه يده فلسعه العقرب، صرخ الرجل من شدة الألم، لكن مرة أخرى مد إليه يده نحوه لينقذه، فلسعه العقرب، وسحب يده ثانية من شدة الألم، وبعدها راح يحاول في المرة الثالثة، كان هناك رجل يراقب المشهد، وصرخ قائلا: أيها العجوز، أيها العجوز، لماذا ما زلت تحاول في المرة الثالثة، وقد لسعك مرتين؟ لم يكترث العجوز لكلامه إلى أن أنقذ العقرب، بعدها مشى نحو ذاك الرجل ،وربت على كتفه قائلا: يابنى من طبع العقرب أن يلسع ،ومن طبعي أن أحب وأعطف. فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟”.
نحن في زمن تغيّرت فيه الأفكار، زمن أصبح فيه الإنسان يقول بداخله” نفسي، نفسي”، زمن لا يهتم فيه الإنسان بصاحبه إلا في اوقات محددة جدا، زمن يجب أن تعتني بنفسك جيدا، لأنك حتى ولو مرضت لن يُجبرك أحدٌ على الذهاب إلى الطبيب، وإن شعرت بالبرد لن يعطيك أحد سترته لتقيك من البرد، وإن كنت غريبا في وطن غير وطنك ،لن يتصل أحدٌ كي يطمئن عليك وعلى أحوالك؛ لذلك كُلما شعرت بالحزن نتجية أمر ما ” تافه”، كخيانة صديق، أو غدر حبيب، أو إهمال السؤال عنك؛ لا تكترث كثيرا، ولا تغلق لنفسك بابا من الحزن، بل حرر نفسك، وقاوم ألمك، اخرج من غرفتك ،فربما ستجد ابن أخيك بحاجة إلى من يلعب معه، أو ربما ستجد أختك تستصعب حل واجب الرياضيات، أو ابن جارك يريد من يوصله إلى السوق، أو جدك بحاجة إلى من يقلّم أظافره. كن مؤمنا بأنه لن ينفعك أحدٌ إلا من خلقك فسواك فقدرك، وجعلك في أحسن تقويم. كن مؤمنا بذلك ، فالبتأكيد سيفرّج الله همّك، كلما حاولت أنت نسيانه، كلما سعيت إلى أن تنسى الماضي، وتبدأ مع حاضرك من جديد…
الكثير منا من كان يعيش وسط أيام سعيدة دافئة، لكن سرعان ما انهارت آماله ،نتيجة عملية احتيال ، أو كذب ، أو نفاق ،وربما بسبب خيانة. سرعان ما انطفت بريق تلك الأيام، حينها يتكلم الصمت فقط، ويصرخ القلب آه، لكن من يريد أن يبني حياته بكلتا يديه رغم كل العواصف، سيرمي كل من غدر به وخان به وراء ظهره وكأن شيئا لم يَحدث، سيتعلم أن لا يثق حتى في ظله، وسيمشي نحو حياة جديدة.