خاطرة : مسير ( ١ )
هالة بنت سليمان الحراصية
أسيرُ في بيادِر الصَدف ، مُبللةً بالقَمر
تتساقطُ الستائرُ على وجهي و تسكنني المواويل
لي ألفُ دفترٍ يحتضر ، و أبياتُ قصائدٍ تبصقُ في وجهِ البنادِق
و اسمي قد احترقَ بالأمس ، فسميتُ نفسي بأسماء الحروب …
ما ظَل لي من الفِكرةِ شيء ، ما ظل لي رصيف
كفرتُ بعقائِد الرُبّى ، و خلعتُ حجابَ السنابِل و أزهارَ الشمس
فلتكتبوني في صفحةِ الربيعِ ( مُلحدة ) و لتحكموا عليَّ بالقصاص .
( ٢ )
أسيرُ و اللوزُ يتبعني ،
و لِفاعُ قرنفلٍ يستعمرُ شرياني ويبني بقالةً صغيرة
فيتهافتُ جمعٌ من الفراشاتِ تحتَ ظلِ حبات الحلوى
أسيرُ و ألمحُ أغصان برتقالٍ تنتحر ، و أوراقٌ تكتبُ الشعر
و عجوزٌ تنسى النافذَة مفتوحة ، ليعزفَ عود الرياح نغماته
فيغدو ذلكَ الحيُّ خاشعًا في محرابِ رنّاتِ المثاني والمثالِث .
( ٣ )
أسير ، والمسيرُ سؤال !
هل يَضحكُ الانفجار ؟
هل تحبّ الظلال التوت ؟
هل ندبة المرجِ عمياء ؟
أتحب الصباحات صوت فيروز ؟
و هل يحيطُ بجيدِ الجسرِ سربُ يمامٍ ذاتَ فجر ؟
المسيرُ سؤالٌ ، يبحثُ في المسافةِ عن إجابته ،
و الإجابةُ هَربت لطرقٍ لا تتحدث لغةَ الدمار ،
لطرقٍ ما زالت مؤمنة بصوتِ الحساسينِ و بيدرِ اللبلاب ..
المسيرُ سؤالٌ لن تخرس صوتهُ الإجابات .
( ٤ )
سيرٌ عَنيد بينَ دموعِ الطُّلول ،
ألقي السلام على ديارِ ليلى
أغني بقلبِ قيس : ” ألا عِم صباحًا أيها الطَّللُ البالي …”
و أراقِبُ صراعَ أرضٍ منبسطة تودُ معانقةَ الهضاب .
سيرٌ بينَ حقولِ الخوخ ، و غرقٌ في بحرِ سهلٍ أخضر
و النبضُ مع قلبِ عصفورٍ جريح يختبئ في جُرْنٍ يملكهُ صياد
و في ميدانِ تأملاتي أسامِرُ الجداوِل الباكية ،
هل يمكنها التحول إلى مقاماتٍ شرقيةٍ رقيقة ؟
هل يمكنُ أن ترقصَ دقائقُ الماء و تشكلَّ حنجرةً نهاوندية ؟
أم أنَّ هذه الجداوِل خلقت للبكاء فقط ؟ هل يعقل أن يموت الغناء هنا ؟ تبًا ! كُل سراجٍ ينطفئُ سريعًا في هذا الطريق .
( ٥ )
هَلمَّ إليّ يا أيها المسير
تُجيدُ الحَرب و لا تجيدُ اختزال نفسك ؟
أرهقتَ فِكرتي ،
و دخانُ دبابةٍ قد آويتها قد قتل ضفائري
و ماتَت تحتَ قدمي ياسمينة
لو أنني قبلَ مائةِ تنهيدةٍ ما زرعتُ السيسبانَّ على خدكَ
لحسبتكَ الموت ! .
( ٦ )
أسيرُ وأسير ،
وعتمةُ العليق الشجيري ليلي
وغناءُ الدواوينِ الممزقة يسكنُ سلمي الموسيقي
ألعبُ الغميضة مع النغمات ، أتنفسُ رائحة البكاء
أسألُ الشجيراتَ ثمرة ، و أكتبُ مقالًا فلسفيًا في مقعدٍ حزين
قَبلتُ اليومَ نجمة زاهِرة ، و رحتُ أبحثُ في السماءِ عن اسمي المحترق ، عن ثوبي المبلل ، عن وجهي المفقود ، عن دفتري ..
فما وجدتُ شيء ، ما ظل لي شيء
سوى مسيري و دمعُ سؤال:
هل يا ترى سيصبحُ العناقُ في الغدِّ “أزرق” ؟
كلونِ البحرِ ولون الحُب ، أزرقٌ أزرقْ ؟ .