تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

التجمعات ونظافة المكان

هلال بن حميد المقبالي

الجميع منا يسعى لكسر روتينه اليومي بالخروج للترفيه عن النفس والترويح من الضغوطات النفسية التي قد يصادفها في المجتمع والعمل، فيطلق لنفسه ولعائلته العنان للاستمتاع بالطبيعة الخلابة، واستنشاق هواءً عليلا نقيا، بعيداً عن زحمة المدن وضجيج المصانع وتلوث الهواء، فيختار وجهته في ربوع عُمان الغنية بالأماكن الجميلة النقية، سواءً في البر والبحر، الجبال والسهول، فهناك من الأماكن العديدة التي يجتمع فيها الجمال الطبيعي والهواء النقي المنعش، وتوفر متنفسا طبيعيا للأشخاص و للأسر، رغم عدم توفر الخدمات في معظم الأماكن، ولكن يبقى جمالها هو الغاية التي ينشدها البعض للترويح عن النفس.

تتميز بلدنا الحبيب عُمان بمواقع طبيعية جميلة متنوعة قليل أن تجدها في بعض الدول، ومهما كانت وجهتك سواءً كانت جبال، أودية، سهول، رمال، شواطئ فاعلم أن وجهتك صحيحة وما تبحث عنه من متنفس طبيعي ستجده وعلى مساحات كبيرة، فلا توجد محافظة من محافظات السلطنة تخلو من أماكن للترويح عن النفس، فكل المقَومات الطبيعة موجودة، و ارتياد هذه الأماكن يكثر عندما يكون الجو معتدل، وعند سقوط الأمطار وجريان الأودية، تجد المياه منسابة بين جنبات الجبال، ونغمات انحدارها وجيرانها يطرب النفس ويدغدغ المشاعر، وكذا الحال في الصحاري والسهول والجبال تجد الجمال الطبيعي الذي يعانق الزائر عند وصوله بجمال المكان وقد اكتست هذه الأماكن باللون الأخضر وقد توشحت به الهضاب والقمم.

في هذه المواسم الجميلة تجد توافد الأسر والعوائل والأفراد على هذه الأماكن زمراً، حتى إنك في بعض الأماكن لا تجد متسعاً، أو مكاناً تجلس فيه من كثرة الوفود، وخاصة في الإجازات الأسبوعية والرسمية، و هذا دليل على جمالية هذه الأماكن، ونقاء جوها، بالرغم من عدم توفر الخدمات الأساسية التي تفتقدها أغلب الأماكن، لكن الوفود ترفد إليه، مما يدعو للأسف ويقلق كل من يهتم بأمر البيئة وصونها، ليس في عدم توفر الخدمات، ولكن المقلق في الأمر هو عدم تبني ثقافة الحفاظ على البيئة من قبل البعض، فتجد المكان يعج بالفضلات المتروكة، وتلويث المياه و المكان بالمخلفات وبقايا الطعام؛ مما يؤدي ذلك إلى الإضرار بالبيئة أولاً، و بجمالية المكان ثانياً، والتعدي على حرمات ساكني تلك الأماكن، و تشويه وتدمير ممتلكات الغير ثالثاً.

هنا يجب أن نسأل أنفسنا، هل من يأتي من بعدي جاء لتنظيف مخلفاتي أم جاء للاستمتاع بجمالية وروعة المكان، كما استمتعت أنا؟، وهنا لا نعمم الخطاب، فالبعض من لديه الوعي والثقافة البيئية يترك المكان أفضل مما كان عليه، ولا يتذمر من عدم وجود حاويات للقمامة (أكرمكم الله)، فهل فعلاً ينقصنا التثقيف و الوعي للحفاظ على بيئة هذه الأمكنة الجميلة، وتركها نظيفة كما وجدناها؟.

سلوك الجميع يستاء منه سواءً كان وافداً أو مواطناً، والأكثر من يستاء قاطني تلك الأماكن، أن هذا السلوك الخاطئ يعكس ثقافة المجتمع و وعيه ومدى إدراكه و مسؤوليته الوطنية في الحفاظ على البيئة، والأماكن الطبيعية، و ديمومة جمالها، ولكن للأسف الشديد رغم كل التنبيهات والنشرات التوعوية، نجد البعض لا يبالي إلا بترك مخلفاته مبعثرة في المكان، وربما يتجه إلى موقع آخر ويترك خلفه من المخلفات كما تركها في موقعه الأول، وكأنه يبعث برسالة بأنني جئت عابثاً، وهذه ثقافتي.

قد تجد في بعض الأماكن وضعت أكياس القمامة (أعزكم الله) وحاويات، وتخصيص أماكن لتجميع أكياس القمامة بمجهودات أهلية تطوعية، وضعت لمن يرتاد هذه الأماكن فما عليه إلا أن يأخذ كيسًا أو أكثر و بدون مقابل و ليس المطلوب أكثر من وضع المخلفات والأغراض التي استخدمها، واستُهلِكت في هذه الأكياس بدل من بعثرتها في المكان الذي ارتدته، و يتركها في أماكن التجميع التي خصصت لذلك، ولا شيء عليه، والباقي سيتكفل به غيره، وللأسف رغم كل ذلك، ما زال هناك من يترك مخلفاته، وكأن الأمر لا يعنيه البتة، فعلى ماذا يدل ذلك؟.

كنت أرتاد مكان جميل جداً، في إحدى مجاري أودية، وادي الحاجر بولاية الرستاق، مكان هادئ وجميل تجد فيه الماء والظلال، الجبال و الكهوف الصغيرة التي نحتتها المياه من سنوات، كنت أظن أن هذا المكان بمنأى عن الزوار لعدم وصول السيارات إلى بطن الوادي، إنما تنزل إلى الوادي مشياً، المسافة قريبة لا تتجاوز المئة متر صعوداً ونزولاً، كنت أحب أرتاد هذا المكان ولا زلت، وكنت أرتاده عدة مرات في الشهر، وخاصة عند نزول الأودية، وأجده كما هو بجماله ونظافته، و بعد غياب عنه قرابة الأربعة أشهر بسبب الأزمة الصحية الحالية، ذهبت للمكان و لكن وجدته قد أكتشف من قبل الغير، وأصبح المكان ليس كما عهدته، وجدته لا يطاق الجلوس فيه من تراكم فضلات الطعام والمخلفات الأخرى، و مما زاد على ذلك مخلفات السلخ المتعفنة (الجلد، الأحشاء _الكرش_، والأطراف) التي تعطر بعطرها النفاذ كل نسمة هواء تمر عليها، مما جعلني بين خيارين إما أن أنظف المكان أو أعود من حيث أتيت، ولكن حبي للمكان جعلني أختار الاختيار الأول، فجمعت كل ما استطعت تجميعه في مكان واحد، بعدها قمت بردم مخلفات السلخ، وبقايا الطعام، و حرق الباقي، لأحظى بمكان جميل ومريح، أقضي فيه مع الأسرة ساعات جميلة.

في هذا الموضوع كُتب الكثير والكثير، وانتقد هذا السلوك في جميع شبكات التواصل الاجتماعي واقترح بعض الكُتّاب والناشطين الاجتماعيين بوضع حلول انضباطية، إلزامية من قبل الجهات الحكومية المعنية للحد والتقليل من هذه السلوكيات الخاطئة، وتنظيم هذه الأماكن ولكن لا حياة لمن تنادي، ظل الوضع كما كان والمخلفات تترك، لتظل عدة أسئلة تدور في الفكر منها:
لماذا تشوه الأماكن الجميلة بهذه السلوكيات الهمجية؟ وما هو الهدف والمغزى من ذلك؟
لماذا ننتهك حرمة أهالي تلك الأماكن، ونضايقهم بروائح مخلفاتنا بعد أن ضايقناهم بوجودنا المستمر، وقطع جزء من حريتهم، ألا يجب احترام المكان وأهله؟، أليس من حق البيئة علينا أن نصونها ونتركها كما هي نظيفة نقية طيبة؟ ألا يحق لغيرنا الاستمتاع بجمال المكان كما استمتعنا نحن فيه، أم أنه استخدام لمرة واحدة لنا دون غيرنا؟ متى نعي، ونثقف أنفسنا ونضع بصمتنا في كل مكان نرتاده؟ هل ينقصنا الوعي أو أن ثقافة بعضنا هكذا هي؟
لماذا لا نطبق على أنفسنا مبدأ ” اترك المكان كما تحب أن تراه”؟.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights