الانتحار …. على من نلقي اللَّوم؟
بقلم : سلطان بن محمد الرشيدي
( تنبيه 🛑 هذا المقال لا يتحدّث عن قضية بعينها بل يناقش مسألة الانتحار بشكلٍ عام ) .
الانتحار ليس بالأمر الهيّن، بل هو غُولٌ يزحف ويخلّف وراءه ٨٠٠ ألف ضحية كلّ عام! من المسؤول؟
بعد كلّ قضية انتحار تحتدم معركةٌ شرسة بين الناس، فهذا يلوم الشخص نفسه والبعض يلعن المجتمع وعاداته البالية والمتحجّرة، وفئة تنسب الأمر للمرض النفسي، وطائفةٌ تجزم أنه فقد الإيمان وهذا يترحم وذلك يجزم بالمصير …… الخ.
النقاش في العادة يختفي بعد مرور أيام حين تظهر في وسائل التواصل قضيةٌ “ساخنة” أخرى ينجرف وراءها الجميع بدون أخذ العِبرة من ما حدث، أو التخطيط لمنعه من الحدوث مرةً أخرى، أو البحث العميق عن الأسباب التي تكمن وراءه، ولا أحد يسأل ماذا ينبغي أن يتغيّر حتى لا نسمع عن قضايا أخرى في المستقبل!
أنا أرى أن هناك أموراً كثيرةً يجب أن تتغيّر، وإلا فقد يستفحل هذا الدّاء ونصِل لما لا يُحمد عُقباه.
إن قُلت: لماذا كلّ هذا التشاؤم؟
في الحقيقة هذا الظن نتيجة استقراء للواقع؛ فالناظر لِما يحدث اليوم يجد أن الإنترنت بكل ما يحويه قد فتح للشباب الباب على مصراعيه للاطّلاع على كلّ أنواع الأديان والمعتقدات والتفسيرات والنظريات ودفعهم للاحتكاك مع أطيافٍ من البشر يحملون آراءً تختلف عن آرائنا، وكل هذا سيزيد من عدد المشكّكين والمحتارين والمتسائلين والمنكرين لثوابت الدّين، وقد يكون هذا المشكّك صديقٌ أو أخٌ أو أخت أو ابن وأنت لا تعلم!
تَغلي هذه الشكوك والتساؤلات في الأحشاء كغلي الحميم، فإذا شمّ رائحتها من حولهم ووجدوا الشتم والتهكّم والقمع والاتهام بالمرض النفسي والعنف.
أغلق هؤلاء الأشخاص الباب على أنفسهم بإحكام، وبعد ذلك سكبوها وهي تغلي في مواقع التواصل، بينما في الحياة الواقعية عاشوا بازدواجيةٍ وتناقضاتٍ تُنغّص عليهم عيشهم.
ما الحل؟
الحل يكمن في التعامل مع هذه الحالات بحصافة وعدم استعجال عن طريق الاستماع إليهم، ومحاولة فهم حججهم، وبعد ذلك محاورتهم بالتي هي أحسن من قِبل أناسٍ متخصصين، عندهم علمٌ في كيفية الرد على الشبهات والتعامل مع هذه الحالات، وهذا كله يتم بدون اتهام المتسائل في عقله وصحته النفسية وبطريقةٍ لا يفضحه فيها ولا يشهّر به.
فأكبر خطأ أن يحاورهم كلّ من هبّ ودبّ، ويقذفهم بأقسى أنواع العبارات فيتمادوا في ما هم عليه.
وأنا أظن أن أغلبهم سيعود للدّين والإيمان إن وجد من يحاوره ويردّ على تساؤلاته بالأجوبة الشافية والحجج المقنعة.
وإن لم نرَ من يتخصص -من الدارسين للعلوم الشرعية خاصّة- في التعامل مع مثل هذه الحالات، فقد يتخطفهم من لا يُحسن التعامل معهم ممن كسب قشور بعض العلوم التي فُصلت عن الدين وحُذفت منها مسألة الإيمان ويهوي بهم إلى الهلاك والعياذ بالله.
ومع أن هذه العلوم قد لا تخلو من فائدةٍ في البيئات التي خرجت منها، فلا يمكن أن تُستنسخ لمجتمعاتٍ مثل مجتمعاتنا تختلف فيها القيَم والمبادئ والثقافة والتاريخ وعادات الناس.
هؤلاء المختصّين الذين أشرتُ إليهم يجب أن يكون لهم قدمٌ راسخة في العلوم الشرعية وأيضاً في العلوم الحديثة.
ويجب أن يكون لهم وجودٌ مؤثّر وحضور قويّ في الجامعات والكليات والمدارس الثانوية والأقسام التي ينتمون إليها، يجب أن لا تُسمّى “علاج نفسي”، حتى لا تلصق وصمة العار على كل من يرتادها بل تسمى اسماً عامّاً مثل “مراكز توجيه وإرشاد”.
وإنشاء مثل هذه المراكز ليس هو الحلّ الأمثل لمكافحة مشاكل الشباب المعاصرة، بل الحلّ الأفضل هو تغيير مناهج التعليم التي يجب أن ترسّخ في نفوس الطلاب التوحيد والإيمان بوجود خالقٍ لهذا الكون، لا عن طريق التلقين وحسب، بل عن طريق دعوة الطلاب وخاصة في المرحلة الثانوية إلى التفكير في عجائب هذا الكون وهذا لا يكون في حصص التربية الإسلامية وحسب، بل حتى في حصص الأحياء والفيزياء والعلوم الأخرى على طريقة الدكتور مصطفى محمود رحمه الله في برنامجه: العلم والإيمان.
ومثل هذه المناهج ستخرّج طلاباً لا تتزعزع عقيدتهم بسبب فيديو في اليوتيوب أو مشكّك في الفيسبوك بل ستكون عقيدتهم متينةً مبنية على يقين لا يهزه تفاهات الملحدين.
وأما قضية العلاج النفسي وهل يمكن أن يحدّ من ظاهرة الانتحار أقول أن فصل هذا العلم عن الدين والإيمان يجعله علمٌ بائس، لكن هذا لا يعني أن نلغي كل ما توصّل إليه هذا العلم. نحن في الحقيقة نحتاج إلى علم نفس إسلامي. فالدّين ليس عبارة عن مجموعة من الاعتقادات وحسب، بل الدين الإسلامي وشعائره العظيمة أتت لعلاج النفس من أمراضها، فالنفس البشرية ضعيفة وهشّة، وتنساق بسرعةٍ للصفات المذمومة كاليأس والقنوط، والإسلام أتى ليخلّصها من كل هذه الشوائب
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)}- سورة الشمس.
نسأل الله العفو والعافية، والله أعلم ونستغفر الله من الخطأ والزلل.