متى سنلتزم
بقلم : خميس بن محسن البادي
إذا كان رَبُّ البيتِ بالدفِّ ضارباً… فشيمةُ أهلِ البيت كلهم الرَّقصُ
بيت شعري لـ محمد بن عبيد الله (سبط ابن التعاويذي)… يضرب بهذا البيت الشعري المثل في تأثر سلوك الأبناء بسلوك الآباء في التربية ونحوها..
تابعنا جميعاً قبل أربعة أسابيع أي خلال إجازة اليوم الوطني (الخمسين) وراحة نهاية الأسبوع، ما شهدته منابر التواصل الاجتماعي، حول بعض المشاهد المرئية المقززة (أجلكم الله) والتي تأبى النفس البشرية السوية تقبلها؛ وذلك نتيجة ما خلّفه بعض المستهترين من نفايات وترك أطعمة صالحة للاستهلاك البشري بين المخلفات وتحت أكوام الرمال بأماكن جلوسهم في عدد من المواقع السياحية بالسلطنة، وأظنها أفعال ستستمر ما لم توضع لذلك الحلول الجذرية الرادعة ويتكاتف الجميع للحيلولة دون حدوثها التي تفتعلها فئة قليلة مستهترة من السياح بهذا الوطن بصرف النظر عن جنسياتهم سواء من العمانيين أو غيرهم، فقد أقدم أولئكم المفسدين بما ينم لديهم عن الدرجة (صفر) في الجوانب الأخلاقية والتربوية السوية السليمة؛ وذلك لما أقدموا عليه من ارتكابهم لتلكم الأفعال المخزية المشينة، والتي طالت ما يمكن أن نصفه بكفرهم بالنعمة التي يحثنا ديننا الإسلامي الحنيف على صونها والمحافظة عليها، وهو ما ينطبق عليهم نظير فعلهم ذاك قول الله سبحانه وتعالى في سورة الأحقاف حيث قال الله عز وجل{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ- الآية 20}، يحدث هذا ونحن نرجو رحمة الله تعالى علينا بل وندعوه جلت قدرته بأن يرفع عنا الوباء العالمي (كورونا) الذي ما تزال تعاني منه كافة شعوب كوكب الأرض، ليأتوا أولئكم الفسقة بفعلهم القبيح في حق نعمة الله تعالى علينا، (اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وارفع مقتك وغضبك عنا، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا)، ولا شك أننا نعي تماماً أن ما هذه إلا تصرفات فردية لا يأتي بها إلا من فقد الصفات الفضيلة والأخلاق الحميدة وافتقرت ذاته للتربية المنزلية الحقة، وانعدمت من ذاته الغيرة على سلامة بيئة وطنه وصحة مجتمعه وتجاهل نِعَم الله تعالى عليه فطفق يُفسد في الأرض بما كسبت يداه، فرغم أنه تصرف فردي لا مسؤول ولا يمثل ذلك عدا مدى انحطاط الخُـلُـق الشخصي لفاعله، لكنه للأسف يعطي في المقابل انطباعاً سيئاً عن شعب وطن بأكمله، هذا غير كون عواقبه ذات ضرر وخيم على البيئة بما على الأرض من مختلف الكائنات الحية، ولنسأل هؤلاء عن سياحتهم الخارجية حيث الإجراءات الصارمة والالتزام والتقيّد بها في كثير من الدول،، ماذا أنتم فاعلون هناك، أيمكنكم أن تتركوا وراءكم أي من قاذوراتكم في المكان؟ فلماذا إذاً تعاملون بيئتنا العمانية بقسوتكم النتنة؟.
إن النأي بالنفس عن الإتيان بمثل هذه التصرفات لا يمكن للمحيط الخارجي للبيت أن يزرعها في الجيل الناشئ، بل إن الأبوين هما الحضن الذي تترعرع فيه هذه الناشئة وهما التربة الخصبة لتشكيل ذريتهما كيفما أرادا لهم فهما قدوتهما سواء في النفع أو الضرر، وما المدرسة والمسجد والأندية والمجتمع إلا جهات داعمة ومعززة لما يقوم به الأبوان ولا أظنها فاعلة أو مؤثرة كما هو تأثير الوالدين في الأبناء، ونستدل بذلك بحديث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلّم في توجه السلوك الديني من الآباء للأبناء حيث قال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم {ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم،، وقوله صلوات ربي وسلامه عليه {أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم}، وهذا دليل جليّْ على مدى قوّة تأثير الأبوين في طريقة تربية الأبناء وكيفية تأسّيهم بوالديهما،، ومن يشاهد من الأسوياء مثل هذه التصرفات الغير مقبولة مجتمعياً سيرجّح من فوره لا شك بأن ذلك ما هو إلا نتاج تلكم الكأس التي نضحت بمحتواها في البيت الذي خرج منه صاحب الفعل المشين، وهو ما ينطبق على فاعله قول سبط ابن التعاويذي ببيته الشعري الذي أوردناه في صدر هذا المقال.
وإلى جانب ما يأمله الجميع من الجيل الشاب خصوصاً والمعوّل عليهم آمال جسام ومهام عظام في مقبل الأعوام نحو هذا البلد الطيّب المبارك، من حيث المحافظة على بيئتنا العمانية نظيفة وترك مواقعنا السياحية على طبيعتها الخلاّبة، فإنه لا ريب أن الجهات الحكومية الموقرة المعنية بالأمر لها الدور الأكبر نحو فرض كل ما من شأنه منع مثل هذه الظواهر والتصرفات السلبية والضارة، فرغم النداءات التي تصدر من هذا وذاك ومن هنا وهناك، حيث كان لي ندائي المماثل قبل ما يقرب من العام الذي جاء تحت عنوان (منغصات الرحلات الخلوية، والذي جاء في مضامينه مدى العبث الذي خلّفوه السياح في المكان بتركهم نفاياتهم متناثرة في كل زاوية ببطن ذلك الوادي الجميل) والمنشور عبر هذه الصحيفة، إلا أن الوضع للأسف ما يزال يزداد سوءاً يوماً بعد آخر.
إن مجمل تلكم النداءات أتت مطالبة بالتصدي لمفسدي البيئة والطبيعة من خلال سن عقوبات رادعة إضافة إلى التوعية الإرشادية والمراقبة المستمرة بالطرق والإجراءات التي تتناسب مع حجم المشكلة، وبما يجعل بيئتنا العمانية نظيفة بل ويزرع في الأجيال القادمة ثقافة المحافظة على البيئة نظيفة من أية نفايات من مخلفات البشر نظير استهلاكاتهم الحياتية اليومية، ونحث أولياء الأمور الشباب منهم خاصة على أن يكونوا القدوة الحسنة الصحيحة لأبنائهم،، فقد آن الأوان أن نلتزم في وقت صرنا نعوّل فيه على السياحة في البلاد لتكون أحد الروافد الاقتصادية المهمة للسلطنة.