الفوضى الإدارية الحلقة الثالثة
الدكتور : طالب بن خليفة الهطالي
Talib.oman@hotmail.com
التنمر الوظيفي:
تتعدد احتياجات البشر من فئة إلى أخرى، ويعتمد ذلك على نوع وطبيعة البيئة التي يعيشها الفرد، إذ يشهد مجال العمل الكثير من المواقف المختلفة التي لا تحمل في طياتها أحيانا طابع الجدية ويصنف ذلك تحت مسمى المزاح بغية نشر الألفة، فقد أوضح ( Maslow.1940) أن الاحتياجات العامة للبشر بشكل هرمي، ولا ريب أن إشباع المتطلبات الشخصية تعتبر مطلبا ضروريا لسلامة الفرد النفسية والبدنية لا سيّما في بيئة العمل، لذلك فإن المسؤولية الملقاة على القادة والمسؤولين كبيرة تجاه مرؤوسيهم؛ لتوفير البيئة المناسبة لتلبية الاحتياجات الضرورية للعاملين في المؤسسة، فقد حاز موضوع الأداء الوظيفي للعاملين على نوع الإدارة التي تؤثر على السلوك التنظيمي، سواءً على مستوى الفرد أو الجماعة اهتماما بالغا، حيث تسعى المؤسسات إلى تحسين مستوى الأداء الوظيفي والإجرائي وتطبيق الجودة الشاملة؛ بغية بلوغ الرضا الوظيفي للعاملين كونهم المحرك الرئيسي لبذل المزيد من العطاء، والوصول لأعلى معدلات الإنتاج وهو سبيل التميّز والتطور والنماء للمؤسسة.
ومع تزايد ظاهرة التنمر الوظيفي ( Workplace bullying) في بعض بيئات العمل التي تعدّ من الظواهر السلبية، التي تعمل على التقليل من شأن العاملين، وهضم حقوقهم ومضايقتهم سواءً بأسلوب مباشر أو غير مباشر، من قِبل مسؤوليهم مما يؤدي بالبعض إلى إجبارهم قهريا، لترك عملهم سواءً بطلب النقل أو الاستقالة، والناظر في التاريخ يجد أن مصطلح التنمر متداول منذ الأزل، فقصة قابيل وهابيل ليست عنا ببعيدة، والنبي يوسف عليه السلام وإخوته، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)) (القرآن. الحجرات: 11).
وجاء عن (Ross.1998) أنه وضع الخطوط العريضة لأشكال التنمر، وعُرّف التنمر أنه: مجموعة من السلوكيات السلبية الفردية بين زملاء العمل أو الرئيس ضد مرؤوسيه، بأسلوب مباشر وغير مباشر كالتأثير السلبي على مهام عمله، أو الإقصاء والتهميش، ويأخذ التنمر أشكالا عدة منها: التأثير الجسدي أو اللفظي أو النفسي، كمجاملة الآخرين واختلاق الأكاذيب والاستهزاء بالطرف الآخر، ويُعرّف أيضا أنه: ميل بعض الأشخاص إلى الهيمنة والتسلط على البعض ومضايقتهم بشتّى الطرق والأشكال، مستغلين بذلك السلطة التي أعطيت لهم، فقد حذر الدين الإسلامي من التنمر لما له من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، وكذلك بيئة العمل، ومن يمتلك هذه الخصلة فهو في حقيقته شخصية ضعيفة مهتزة غير متزنة، لا يستطيع أن يتحكم بقرارته ويتسلط على من هم دونه، بحكم مستواه الوظيفي، ويعتبر التنمر امتداداً للشخصنة. ومن ضمن أسبابه: غياب الثقة عند المتنمِّر وإنعدام كفاءته، فيشرع في نشر الشائعات في حق من هم أفضل منه، وللمحاباة دور فاعل في التنمر، وإثراء التفاضلية بغير وجه حق بتمييز بعض العاملين على زملائهم، وممارسة الضغوطات عليهم، واستغلال السلطة لتعيين من قد يكونون أقل كفاءة في مناصب، قد لا تتناسب ومؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية وقدراتهم الشخصية.
ويتخذ التنمر الوظيفي أشكالا مختلفة، ويعتمد ذلك على نوع وطبيعة بيئة العمل والمستوى الوظيفي للمتنمر، ويعد استخدام تطبيق الأنظمة والقوانين على المتنَمَّر عليه من أكثر أشكال التميز شيوعاً، دون مراعاة لظروف العمل أو الموظف ذاته مع التساهل في تطبيق ذات القانون مع أناس آخرين، وهي بارزة بشكل جلي ظاهر لكافة العاملين في ذات بيئة العمل، ويسوقنا هذا إلى غياب الرقابة والإشراف والمحاسبة العادلة التي تراعي الحقوق المهنية وتطبيق القوانين، من قبل المستويات الإدارية العليا، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى هدر الطاقات، دون مردود ملموس وتهميش الكفاءات، وتفشي الصراعات الداخلية، وتكتل الأحزاب وتفشي الظلم وتقويض حق الموظف وكرامته في مكان العمل، مما يؤثر ذلك على مستوى الأداء والإنتاجية وتدني مستوى الرضا الوظيفي عند العاملين، وعزوفهم عن العمل إما بتركه أو طلب النقل أو الإهمال بسبب عدم الدافعية.
لقد أجرت مؤسسة جالوب – بالولايات المتحدة الأمريكية – دراسة عن التنمر وخلصت إلى أن: من أسباب عزوف العاملين عن العمل في المؤسسة أو الانتقال أو الخروج منها، يعود إلى وجود مسؤول فاشل، فحقيقة الأمر أنهم لا يتركون العمل وإنما يتركون المسؤول ( هانتر.2006)، ويكثر التنمر في ظل ضعف الرقابة والإشراف والتوجيه، وغياب القانون المنظم الذي يحفظ حقوق العاملين في المؤسسة، فإذا ما طبّقت الأنظمة الإشرافية والرقابية واقعاً عملياً، على كافة المستويات الإدارية دون استثناء، وساهمت المؤسسة في ترسيخ ثقافة الحقوق الوظيفية لدى العاملين وكانت المساءلة والعدالة والمساواة حاضرة، ووجدت آلية واضحة لإجراءات التظلم، فإن هذا من شأنه أن يساهم في تماسك الشبكة الداخلية للمؤسسة وتكامل حلقاتها الإدارية الداخلية، وهذا ما يتوافق مع توجه جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم في الخطاب الذي ألقاه في فبراير 2020م “ومن أجل تعزيز أهدافنا المستقبلية فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامح العمل، وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها”، ولا ريب أن تطبيق ضبط الجودة يعتبر معياراً مهمّا حال تطبيقها من أجل تحقيق الجودة الشاملة في المؤسسة، وهذا يساعد على تحقيق الرضا الوظيفي عند العاملين، فعندما تكون البيئة خصبة لخوض مضمار التسابق الداخلي الشريف بين الكفاءات الطموحة؛ فإن ذلك يساهم في تطوير المؤسسة، ويفتح المجال للمنافسة ويعمل على زيادة معدلات الإنتاج.
والله ولي التوفيق،،،
المراجع:
(1) (/ˈmæzloʊ/; April 1, 1908 – June 8, 1970) Abraham Harold Maslow
(2) Ross, P.N. (1998). Arresting violence: A resource guide for schools and their communities. Toronto: Ontario Public School Teachers’ Federation.
(3) صحيفة النبأ الإلكترونية : https://alnaba.news/?p=52473
(4) صحيفة النبأ الإلكترونية: https://alnaba.news/?p=51647
(5) هانتر، جيمس سي. 2006. مبدأ القيادة الأكثر فاعلية في العالم. ترجمة مكتبة جرير. الرياض:
(6) موقع البوابة الإعلامية:
http://www.omaninfo.om/library/77/show/6421
(7) التنمر في بيئة العمل وعلاقته بكل من جودة القيادة والاكتئاب، مجلة آداب ذي قار. جامعة ذي قار. العراق: دار المنظمومة.2018. العراق.