الأركان الموضوعية الخاصة بعقد الشركة
ظافر بن عبدالله الحارثي
في حياتنا اليومية نُبرم الكثير من التصرفات القانونية لنستوفي حاجاتنا ومتطلبات العيش، ومن تلك التصرفات، ما نقصد من خلالها تحقيق الربح وإيجاد مصادر الدخل، كالعمل التجاري الذي تتمثل إحدى صوره بتأسيس شركة تجارية؛ حيث أن فكرة الشركة التجارية قائمة على وحدة المصلحة والتي تنشأ بتوافق إرادتين أو أكثر في الغالب ما عدا الحالات التي أجاز القانون للأشخاص التأسيس بمفردهم؛ وبعد اتفاق الشركاء المؤسسين على النقاط الجوهرية المهمة التي يجب أن يتضمنها عقد الشركة والنظام الأساسي، تولد الشركة مباشرةً بعد تسجيلها في أمانة السجل التجاري.
عُرّفت الشركة التجارية في قانون الشركات التجارية – العماني 18/2019 في المادة (3) ” أنها كيان قانوني تنشأ بموجب عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كلّ منهم في مشروع يستهدف الربح، وذلك بتقديم حصة في رأس المال تكون إما حقوقاً مادية، وإما حقوقاً معنوية، وإما خدمات أو عملاً لاقتسام أي ربح أو خسارة تنتج من المشروع.”
ولكي نكون بصدد عقد شركة صحيح لا بُدّ من التأكد من البنيان القانوني السليم والمتضمن لأركان عقد الشركة العامة والأركان الشكلية والأركان الموضوعية الخاصة، حيث أن عقد الشركة يُعدّ من المواثيق الرسمية الضرورية إذ ما أراد الشركاء تأسيس شركة ما، وذلك بجانب النظام الأساسي للشركة، وكأي عقد هناك أركان عامة تتمثل في الرضا والمحل والسبب والتي لا يختلف عقد الشركة عنها كثيراً، ثم الأركان الشكلية والتي تتمثل في عنصرَي الكتابة والتسجيل وذلك على اعتبار أن عقد الشركة من العقود المستمرة لفترات طويلة لذلك خصّ المشرّعون ومن بينهم المشرع العماني على اشتراط الكتابة لصحة عقد الشركة ولإثبات ما تضمنه من بيانات تهمّ الغير وهي بذلك تُعدّ شرطاً للإثبات، كما استلزم المشرع الإشهار في الشركات التجارية الرسمية.
أما الأركان الخاصة بعقد الشركة وهي الأركان التي تميز عقد الشركة عن باقي العقود ويختصّ بها عقد الشركة تتمثل في:
أولاً: ركن تعدد الشركاء:
ويقصد به أن نشأة العقد الذي بموجبه تنشأ الشركة التجارية، ترتبط وتقوم بانعقاد إرادتين أو أكثر (شخصان أو أكثر) يسهم كلّ منهما في مشروع يستهدف الربح، وهو الدافع الذي يجعل الأفراد يُقدِمون على هذه الخطوة، وبالرجوع إلى نصّ المادة الثالثة من قانون الشركات التجارية الصادر بالمرسوم رقم 18\2019 نرى بأنها ذكرت ذلك صراحة، قاصدةً بكلمة (شخصان أو أكثر) أن الحدّ الأدنى لقيام الشركة هو اثنان؛ إلا أن ذلك الأصل، قد يرد عليه استثناءاً يتمثل في أنه يجوز أن تتكون الشركة من شخص واحد (أي بالإرادة المنفردة) وهذا الأمر قد يحدث في شركة الشخص الواحد على اعتبار أنها شركة مكونة من شخص واحد.
وكذلك يحدث أيضاً في الشركة المساهمة، حيث تستطيع الدولة وحدها إنشاء الشركة المساهمة.
علاوةً على ذلك فبالرغم من أن القانون حدّد الحدّ الأدنى للشركاء إلا أنه لم يضع حداً أقصى إلا في الشركة المحدودة المسؤولية، إذ يبلغ الحد الأقصى فيها 50؛ كما أن كل الشركاء في كل الشركات هم إما أشخاصاً طبيعين وإما إشخاصاً اعتباريين، إلا شركة التضامن وشركة التوصية فيجب أن يكون الشركاء أشخاصاً طبيعيين؛ فضلاً عن أن الشريك الذي تكون مسؤوليته محدودة في جميع الشركات هو الشريك الموصي في الشركة محدودة المسؤولية والشريك الموصي في شركة التوصية والشريك في شركة المساهمة.
ثانيًا: ركن تقديم الحصص:
والتي تُعدّ التزاماً على كل من يرغب أن يكون شريكاً في الشركة، حيث تتنوع هذه الحصص إلى ثلاثة أنواع: أولاً: حصة نقدية وهي حصة تتمثل في الأموال النقدية وتقدر بنقود. ثانياً: حصة عينية تقوم على تقديم عين العقار أو المنقولات، وقد تُقدم إما على سبيل الانتفاع وإما على سبيل التملك.
أما النوع الثالث فيتمثل في تقديم حصة عمل، وينفرد في تقديمها الشريك المتضامن، إلا أنه يجب أن تنطوي هذه الحصة على فائدة وأهمية تعود على الشركة بالأرباح، وأن لا تقوم على النفوذ الاجتماعي أو السياسي، بل على مقدم هذه الحصة أن يعمل فعلاً سواءً كان عملاً إدارياً او محاسبياً أو أي عمل كان، طالما كان هذا الشريك على درجة من الإنجاز والكفاءة.
إن الحصة العينية والحصة النقدية تشكّل الضمان العام لدائني الشركة، وذلك على أساس أن يستطيع الدائن التنفيذ عليها سواءٌ بالحجز أو البيع في المزاد وغيرها من صور التنفيذ، وذلك ما إذا كانت هذه الحصص مقدَّمة على سبيل التملك؛ أما حصة العمل فلا يشكل ضماناً ولا يُسأل عنه مقدّمه إلا إذا قدّم فوق حصته نقوداً أو أي شيءٍ آخر، أو إذا تقرر له أجراً عن عمله، وهواستثناء ذكرته المادة 475 من قانون المعاملات المدنية.
ثالثًا: ركن اقتسام الأرباح والخسائر:
يتمثل هذا الركن في رغبة الشركاء في جني الأرباح عن طريق استغلال المشروع وقابلية كل شريك في تحمل نصيب من الخسائر الذي قد ينتج عن استغلال المشروع، وتخضع آلية تقسيم الخسائر والأرباح إلى اتفاق الشركاء.
رابعا: ركن نية المشاركة :
حيث أن هذا الركن هو الذي يميز عقد الشركة عن بقية العقود الأخرى، ويقصد به أن الشركة لا تنشأ عرضاً أو جبراً وإنما تنشأ بين أفراد لهم الرغبة في إنشاء هذا الشخص المعنوي، فهي حالة إدارية قائمة على الثقة بقصد تحقيق الهدف، فضلاً عن أن هناك تعاون إيجابي بين الشركاء من خلال اتخاذ قصد تحقيق غرض الشركة كتقديم الحصص، وتنظيم إدارة الشركة والإشراف عليها ومراقبة أعمالها، وقبول المخاطر المشترَكة التي قد تعترض المشروع، ومساواة بين الشركاء في المراكز القانونية.
تتدخل القوانين لتنظيم حياتنا وجميع تصرفاتنا، ولا يكاد أن يوجد أمر من أمور الحياة إلا ونلاحظ تنظيم القانون لها، فقانون الشركات التجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 18/2019 يهدف لتنظيم موضوع الشركات بصورة متكاملة، فضلاً عن القواعد العامة والتي أوجدها قانون المعاملات المدنية؛ ونظراً لأهمية هذا الموضوع وكثرة التعامل فيه في المجتمع، سلّطت الضوء على الإجراءات الأولية الذي يمر بها الأفراد حتى يصلوا إلى مرحلة الوجود القانوني للشركة.