هل في الخيال ألف حياة؟
خديجة المعمرية
الشخص عندما يفكر بالخيال، تتزاحم في مخيّلته الكثير من الخيالات، أوّلها:
هل هو يعيش الخيال بمحض إرادته أم أن الخيال يطرق بابه بدون أي سابق إنذار؟
وآخرها:
هل بإمكانه تجاهل الخيال المستمر في بعض الأشياء؟ كتجاهله لحاجته لتخيّل أشكال الأشخاص وشخصياتهم في إحدى القصص لكي يشعر بشيء من الغموض الذي يجعله مستمتعاً بالقصة منذ البداية إلى مشارف النهايات.
تُعتبر عبارة “لنا في الخيال حياة” من أصدق العبارات التي لامَستني شخصياً، بالفعل، إننا نعيش في عالم الخيال متى سنحت لنا الفرصة بذلك، بغضّ النظر عن المكان الذي نتواجد فيه.
فأرى أن لنا في الخيال ألفُ ألف حياةٍ نعيشها، وليست حياةً واحدةً فقط، بل إننا نمتلك حياتين وثلاث حيوات وأكثر من ذلك بكثير نحياها داخل ردهات عقلنا.
كثيرون منّا يستطيعون الشرود والذهاب بعيداً بمخيلاتهم ما بين أحلامٍ انهدمت أمام أعينهم، وأحلام يريدون تحقيقها، وأخرى يسعون بالفعل إلى تحقيقها وإنجازها بحذافيرها، وأحلام لا يقوى البعض على البوح بها فظلّت حبيسةً بدواخلنا، حتى أننا نشعر بالخجل بمجرد أن تطرق أبواب خيالنا، وأحلام استطعنا تحقيقها بالفعل، وهي الآن بمرحلة التقييم و التطوير، وأحلام أقرب ما تكون من المستحيل من شدّة صعوبتها ولكن لا وجود للمستحيل إلى آخره من الأحلام التي لا حصر لها.
فهناك من يحلم بأصغر وأبسط الأحلام، كأن يتزوج من فتاة أحلامه دون أن تحكمه العادات والتقاليد القديمة.
وهناك من يحلم أن يصبح مهندساً لكي يساهم في إعمار هذه الأرض. وهناك أحلام كبيرة كأنْ تحلم امرأةٌ بأن تصبح هي من تحكم إحدى الدول العربية.
وأحلامٌ يسهل تحقيقها بالجدّ والاجتهاد، وأخرى يصعب علينا تحقيقها ولكن ليس هنالك مستحيلٌ في الحياة.
الآلاف والآلاف من الأحلام التي لا تنقطع والتي لا تمدّنا بالأمل فحسب بل أنها تُعيننا على المضيّ قُدماً في هذه الحياة القاسية.
آلاف الأحلام التي دونها ما استطعنا أن نحيا وأن نواصل ونجتاز المصائب التي تصبّ على هذا العالم في كل ثانية، من حروب وأسىً ومواجع يتجرّعها الصغير والكبير في الكثير من الدول المحتلة.
نعيش الخيال؛ لأنه المُسكّن الوحيد المتوافر بين أيدينا، الذي نستطيع من خلاله الهروب من واقعنا.
فجميع بني البشر ليسوا مختلفين في أحلامهم فقط، بل وفي الطريقة التي يحلمون بها، وفي مواعيد طرق الأحلام لأبوابٍ وردهات خيالهم. فهناك من يعشق عيش حياته بأكملها على أنها حُلُمٌ وخيالٌ كبيرين، ولا يريد الإفاقة منها حتى لا يصطدم بالواقع المرير.
وهناك من يطرق الحلم بابه في أوقات الفراغ وينسى الأمر برمّته بعدها بدقائق قليلة فيُنسى ما قام بتخيّله كأن شيئاً لم يكن.
وهناك من يطرق الخيال بابه في أواخر الليل.
وهناك من يدقّ الحُلم وجدانه قبل أن يغفو بقليل فهو الزائر الوحيد الذي لا تستطيع تجاهله أو التغافل عنه، فدائماً وأبداً ما تُحسن ضيافته وتكرمه في أيّ وقتٍ حلَّ بك، لأنك دونه لا تستطيع أن تحيا.
والخيال هو الشيء الوحيد الذي يصعب عليك تخيله مهما حاولت. والحديث يطول عن هذا الشيء الجميل الموجود بروح كلٍّ منّا والذي يصعب علينا تركه بمفرده أو التخلي عنه.
الإنسان بدون الخيال يصعب عليه تخيّل القصص والأحداث والروايات التي يعيشها في القصص، فنحن لنا في الخيال حيوات، وليست حياة نعيشها بكلّ مجرياتها وطريقتنا في سرد أحداثها التي تجعل القارئ يواصل القراءة بشغفٍ كبير، ويلتهم الكتاب كأنه قطعة رغيف، ويستشعر لذّة الكلمات وعذوبة العبارات والمشاعر لتستقر في وسط صدره.