2024
Adsense
مقالات صحفية

مقال: لا تسألني فأكذبك…

عفراء المياحية

هناك مثل إنجليزي مشهور ” لا تسألني فأكذبك “. يُشير هذا المثل إلى الصنف الذين يحملون في دمهم فصيلة نادرة تسمى (الفضول)، فيضطر المُجيب أحيانا إلى أن يكذب عليهم ، لأنه لا يريد قول ما يريدون سماعه.                                                                          نجد هؤلاء يلّحون في السؤال مرارا وتكرار، يسألون من الألف إلى الياء، لا يدركون أن بعض الناس يملكون بدواخلهم أمورا لا يريدون البوح بها، بعضهم ما زالوا يحاولون نسيان بعض الأحداث التي سلبت جمال حياتهم، ولكن للأسف بأسألتهم المتكررة يعبثون بالجراح، وربما يفتحون جروحا قد  التأمت منذ زمن .

بعضٌ من الناس بدأوا بفهم الحياة من جديد، أغلقوا دفاتر ماضيهم، ودفعوا ثمن أخطائهم، وتعلموا قواعد الحياة، وقدّروا لحظاتها، وصنعوا لأنفسهم طريقا يليق بهم، لكن الناس الفضوليين ما زالوا يطاردونهم ،كما يُطارد الفأر الجبنة، يسألوهم عن كل حدث، يبحثون عن إبرة صغيرة جدا في كومة عش،  فقط ليحصلوا على جواب لا يعنيهم أبدا، يعبثون بوعاء أفكارهم. نحن بحاجة الى التعامل معهم بسياسة تامة، كي لا نغضب أنفسنا أولا، ولا نكسرهم ثانية . قرأتُ مرة في أحد المنتديات قصة رجل فضولي جدا في  يوم من الأيام، حدث حادث مؤلم ،وكل الناس قد اجتمعت حول الحادث، جاء أحد الفضولين، وبداخله نارا تغلي ، يريد معرفة من هو صاحب الحادث، ففكر في حيلة كي يعرف ما وراء الحادث، فقال بصوت عال ليلفت الانتباه ، وحتى يفسح الناس له الطريق: انزاحوا جانبا، فالمصاب هو أخي، تعجّب الناس جميعا ،لأن المُصاب كان حمارا !!

نعم ! هذا هو جزاء الفضولي، الذي أنساه الشيطان نفسه، وبدأ بتتبع آثار أقدام الناس، يريدون أن يدخلوا إلى حياة الأشخاص الأبرياء كي يسلبوا منهم  أفكارهم ، وربما مشاعرهم، وبعد ذلك،  يحفظون كل معلومة تخص أولئك الأشخاص، ينسبون ما أعجبهم إليهم بطريقة خبيثة جدا.

الفضول سمة مقززة جدا،تسبب القلق والأرق لكلا الطرفين، يحدث ما بينهما التماس خطيرٌ، وربما يؤدي بهما إلى أمور لا يحبها المولى الرحيم.  قرأتُ مرة، أنه خلال أعمال شغب لندن في عام 2011م تم سرقة كل شي ماعدا المكتبات، فعلق صاحب متجر للكتب تركت متجري مفتوحا لعلهم يسرقوا كتابا يثقفههم.

غالبا هذا الصنف يستغلون كل ثانية، و لكن في ما لا ينفعهم، ولو أدركوا أولويات حياتهم ،لما اكترثوا للناس وحياة الناس.

هؤلاء بحاجة إلى أدوية تناسب فصيلة دمهم (الفضول)، بحاجة إلى أن يعزلوا أنفسهم قليلا عن الناس. وهذه أفضل طريقة لهم، لقول سيدنا عمر رضي الله عنه ” خذوا بحظكم من العزلة “.

عندما يبتعدون عن ضوضاء الحياة وألسن الناس ومسامعهم، حينها سيتفرغون لدراسة تفاصيل حياتهم، وسيبحثون عن ذواتهم المفقودة في محيط قلوبهم، هم بحاجة إلى تحرير أنفسهم من أمراض القلوب. بحاجة الى أن يدققوا في تفاصيل بصمات أصابعهم، كي يضعوا بصمة تميزهم عن غيرهم.  قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: “عليكم بذكر الله فإنه شفاء ،وإياكم وذكر الناس فإنه داء”.

جميل جدا عندما تكون سمة الفضول على أمور تتعلق بالعلم والمعرفة، لاستطلاع كل ما هو جديد، لمعرفة ما وراء الفاصلة وكل حرف جر، ممتع جدا  أن يمتلك الإنسان صفة الفضول لمعرفة ما وراء الجبال ،وأسرار البحار والمحيطات، وأن يكتشف المجرات وضوء الشمس، وحتى اخضرار الشجر. في ذاك الوقت سيكون الإنسان مُلمّا بثقافة واسعة تعينه على التنفس في الحياة الواسعة، بأراضيها الواسعة، وسمائها التي لا حدود لها ، لذلك ونحن نعيش على هذه الارض المنبطحة، من السهل أن نشعر بمدى صغرنا أمام هذا الكون الفسيح،وفي الوقت نفسه تكون فرصة تعلمنا أكثر؛ فما حُظي الا من استغل فضوله  في أمر ينفع دينه ودنياه. وما يأس الا من كان قريبا من الناس وبعيدا عن رب الناس.

Afraa.almayah@outlook.com

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights