تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

الولاء ترمومتر المواطنة

علي بن مبارك اليعربي

إن تربية الأبناء وتنشئتهم على الولاء والانتماء وحب الوطن، من المعاني والأمور المُهمة التي يجب أن يعتني بها الآباء والمربّون، لأنه يولّد لديهم الولاء والانتماء والعمل المتواصل لنهضة ورفعة وطنهم، كما يجب أن نعلّمهم أن هناك هدفاً أكبر يعيشون من أجله في هذه الحياة يتعدى هدف المصلحة الشخصية إلى المصلحة العامة الجماعية.
وهناك العديد من الوسائل التي قد يتخذها الآباء والمربون لتربية أبنائهم على حب الوطن وتعميق المواطنة، منها القصص التي تُنمي رُوح المواطنة وغرس الانتماء في نفوسهم، وربط الأوطان بالإيمان والعمل على خدمتها كلٌّ في موقعه، الموظف والجندي والطالب…، جميعهم مرابطون لتنمية وحماية وصَون مكتسبات هذا الوطن. وفي هذه الأيام النوفمبرية من كلّ عام نحتفى ببزوغ فجر النهضة المباركة لبلادنا الحبيبة، رغم أننا نعيش عاماً استثنائياً بكل المقاييس بما صاحبَته من أحداثٍ محزنةٍ بفراق أبينا وباني نهضتنا الملهم جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم طيب الله ثراه، ثم ما حلّ بالعالَم من تدهورٍ صحّي واقتصادي وتداعياتٍ سياسية جرّاء جائحة كورونا كوفيد19، إلا أننا يحدونا الأمل بأن نكون جميعاً لُحمةً واحدةً خلف قيادتنا المتجددة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه.
لهذا أقول لا للشعارات.. نعم للولاء والانتماء.
هل يكفي النشيد السلطاني كلّ صباح في مدارسنا؟ وترديد الشعارات لجعل أبنائنا يحسّون بالانتماء لهذا الوطن والإخلاص له والتشبث به والدفاع عنه عند الحاجة؟
أبناؤنا بحاجةٍ قبل كل شيء إلى معرفة بلدهم، لأن الإحساس بالمواطنة شعورٌ ينمو عن طريق المعرفة والمُعايشة والقُرب، وحتى يمكننا أن نخاطب وجدان الأبناء ونُنمي لديهم الإحساس بالافتخار والاعتزاز بالوطن لا بدّ أن نمدّهم بالمعارف اللازمة عن تاريخ وطنهم وحضارته، كما أن المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة تُعتبر من المواطَنة الحقّة، والشعور بالمصلحة العامة تُعد قمة الوطنية.
إن الولاء والانتماء هو ترمومتر المواطنة وهما لا توجِدهما الصدفة بل هو غرسٌ يرتوي بجهود المربين الآباء منهم والمعلمين؛ فدوركَ معلمي البارع من الصعب أن يقوم به غيرك، فصناعة مواطنٍ صالحٍ يذود عن مُكتسبات وطنه وينمّيها، يؤدي إلى تنمية المواطَنة لديهم، فأنت المحوَر الرئيس في العملية التربوية والتعليمية، وممارساتك الإيجابية تساعد على تأصيل وترسيخ مبدأ الولاء والانتماء لديهم، وهذا سيعمل على إيجاد علاقاتٍ منسجمة في المجالات المعرفية والمهنية والوجدانية؛ فأمْرا التربية والتعليم مُناطان إليك، فلا تستقيم الأمور إلا بهما، أي (التدبير والسياسة) فربّنا يقول جلّ في عُلاه:
{… وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79)}- سورة آل عمران. صدق الله العظيم.
وهنا نبيّن لك عزيزي المربّي الفاضل أن شخصيتك لها أبعاداً متعددة، تختلف من معلم لآخر تبعًا لمفهوم المواطَنة وروح الانتماء عند بعضنا. لذا عليك عزيزي أن تطبق المناهج الدراسية عمليًا وأن تبتعد عن التنظير المجرد قَدر الإمكان، وأن تجعل لها حياة مرتبطة بحياة طلابك، وأن تبعدها عن الجمود، وسوف يساعدك ذلك على تنمية روح المواطنة من خلال الجانب العملي لديهم في جميع المواد، وخصوصًا في مواد الاجتماعيات والوطنية، واللغة العربية، وحتى التربية الإسلامية، فإن حُب الوطن من الإيمان، وتقديم المَظاهر السلوكية الدالّة على ذلك وتقديم التغذية الراجعة لها.
وبما أن كُلاً منا يعبّر عن وطنيته وفرحته في المناسبات الوطنية بطريقته الخاصة، فعليك ابني الطالب أن تدرك أنه لا يقف حدّ الولاء والانتماء وإظهار حبّ الوطن عند الأناشيد وتزيين المباني والسيارات بالأعلام وصور قائد مسيرتنا المتجددة فقط؛ بل تجسيد المواطنة من خلال الإتقان والإخلاص كلٌّ حسب قدراته وإمكاناته وموقع عمله. وأنت عزيزي الطالب يمكنك أن تخدم وطنك عبر العديد من الطُرق التي تناسب قدراتك وظروفك العلمية والعملية فاعمل بجهدٍ من أجل ذلك، واعلم أن خدمتك لوطنك هي طريقٌ لإعلاء شأنك في الحياة والمجتمع أيضاً، فالشعوب لا تنسى من كانوا مؤثّرين في نهضتها وتقدّمها وتحتفي بهم دائماً، ويسجل التاريخ قصص نجاحهم وتضحياتهم من أجل أوطانهم.
عليك بالاجتهاد في الدراسة بدايةً والعمل على أن تكون متميزاً، حيث توجد العديد من المسابقات الدولية للطلبة المتميزين في المجالات المختلفة والتي يدخلها الطلبة ممثلين لبلادهم أيضاً فكونوا على قدر المسؤولية، والعمل على دراسة تخصصات علمية وبحثية تفيد الناس في مجالات العلوم والسياسة والاقتصاد، وكل ذلك من المجالات التي يجب أن تحرص على أن تكون مناسبةً لك ولمواهبك أولاً حتى تستطيع التميّز فيها، كما أن بمقدور أي شخصٍ أياً كان مجاله أن يخدم وطنه ويشرّفه بأن يصبح أحد العلماء الكبار في مجاله.
خلاصة القول:
إن الوطن كيانٌ متكامل متماسك، فتنشئة أبنائنا على حبّه بممارساتٍ وسلوكيات تولّد فينا هذا الشعور، يمارسها الكبير والصغير وليس مجرّد عباراتٍ وشعاراتٍ رنانة، كما يجب أن يعلم الأبناء أيضاً أن هناك أشياء بسيطة تُعدّ خدمةً للوطن لا تكلّفنا جهداً بدنياً أو مادياً، منها ألا تكون من المخربين أو الفاسدين الذين يخربون البلاد بأفعالهم وأفكارهم الهدامة، بل واجبك أن تتصدى لهم متسلحاً بالعلم والعزيمة والخُلق الحسَن،
وأن تساهم في كشفهم وفضح أفكارهم وغاياتهم، وجعل الوطن مكاناً أفضل للجميع، وأن تُشعر الآخرين بأهميته لديك بأداء واجباتك وفروضك الدراسية لتصِل وتتخطّى المرحلة الجامعية للمشاركة في بناء الوطن، وتصبح أحد أعمدة هذا الوطن وشريكاً أساسياً في التنمية الشاملة. بهذا فقط يظهر الولاء والانتماء للوطن، فبهما تُقاس المواطنة، لهذا أقول: الولاء ترمومتر المواطنة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights