2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

نوفمبر الخالد

هلال بن حميد المقبالي

إنه نوفمبر المجيد، الشهر الخالد في ذاكرة كل عُماني ووافد عاش في أرض عُمان أو زارها، شهرٌ اعتاد فيه العمانيون أن ينالوا الخير والعطاء في أيامه، شهر يُحتفل فيه بمناسبة سعيدة؛ وهي مولد مؤسس عُمان الحديثة والدنا الراحل المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، هذا الأب الحاني والقائد الباني، الخالد في نفوس العُمانيين كبيرهم وصغيرهم.

18/نوفمبر/1940م، هذا اليوم الذي أشرقت فيه شمس عُمان والتي أنارت أجواء العالم وانعكس هذا النور على عُمان وأهلها واستبشروا بها خيراً، شمسٌ بعد 30 عاماً من بزوغها أبادت ظلمات الجهل والظلم والتخلف التي عاشتها عُمان في فترةٍ كئيبةٍ من تاريخها العظيم، كثُرت فيها الحروب الأهلية والصراعات القبَلية والمنظمات الانفصالية، لتتوحد بعدها تحت رايةٍ واحدة، راية العدل والمساواة، الأمن والحرية، العِلم والعمل، التي أرسى ركائزها والدنا السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه.

نوفمبر هذا العام فقَدَ شخصيته المباركة-رحمه الله – الذي عوّدنا بطلّته البهيّة مخاطباً شعبه رغم صعوبة المواقف وأحلك الظروف، يقف شامخاً أمام شعبه، يأبى أن يمرّ عامٌ نحتفل فيه، إلا ويضع له بصمةً من حكمته وكرمه وعطفه، ففي ذروة مرضه لم ينسى خطابه السنوي الذي كان ينتظره أبناؤه في عُمان بكل لهفةٍ وشوق، يستمدون منه القوة والعزيمة لمواصلة المسيرة، مؤكدين على الولاء والطاعة، ويلخصون ما جاء في مضمونه من خطوطٍ مضيئةٍ للسنة القادمة، مواصلين العطاء والبناء لنماء عُمان ورقيّها بكل عزيمةٍ وتحدٍّ.

إن الخطاب التاريخي الأخير في حياةِ والدنا السلطان قابوس طيب الله ثراه، ذلك الخطاب الذي أزال الغموض عن الحالة الصحية لقائدهم وبدّد خوفهم، الكلّ يتذكر ذلك المشهد الذي أبكى الكثيرين فرحاً لرؤية قائدهم، نستذكر كلماته هُنَا:
” أيها المواطنون الأعزاء:
إنه لمن دواعي سرورنا أن نحيّيكم وبلدنا العزيز في هذه الأيام المباركة على مشارف ذكرى الرابعة والأربعين لمسيرة نهضته الظافرة التي تسير وفق الثوابت التي أرسينا دعائمها منذ اليوم الأول لها وإننا لنحمد الله عز وجل ونشكره ونثني عليه على ما يسّر لنا من رُشدٍ وصلاحٍ للأخذ بهذه المسيرة نحو دولة عصرية راسخة الأركان، ماضية بكل عزيمة نحو مستقبلٍ مشرق واعد من التطور والنماء.

وإنه يسرّنا أن نوجه إليكم جميعاً التهنئة بهذه المناسبة السعيدة التي شاءت الإرادة الإلهية أن تتزامن هذا العام ونحن خارج الوطن العزيز للأسباب التي تعلمونها والتي ولله الفضل أن هيّأ لنا من النتائج الجيدة ما يتطلب منا متابعتها حسب البرنامج الطبي خلال الفترة القادمة. معبّرين عن سرورنا العميق وشكرنا البالغ على ما أبديتموه وتبدونه من مشاعر صادقة ودعوات مخلصة والله العلي القدير ندعو بأن يحفظكم أبناء عمان المخلصين ويرعاكم كرامًا أوفياء.”

كان نوفمبرنا مجيداً مليئاً بالمفاجآت المباركة، التي تعودنا عليها من والدنا المغفور له السلطان قابوس طيب الله ثراه، ولايزال خير نوفمبرنا متواصلٌ بوجود القائد الشهم صاحب الجلالة هيثم بن طارق حفظه الله وأمدّه بالصحة والعافية، فقد أدرك جلالته، مكانة هذا الشهر المبارك في نفوس الشعب العماني، وما اعتادوا عليه على الاحتفال به لمدةٍ تزيد عن 45 عامًا، بعد ما كان الاحتفال بالعيد في 23/يوليو حتى عام1975 م، و من منبع حرص جلالة السلطان هيثم حفظه الله على استمرارية ديمومة العمل المتواصل للنهضة العُمانية واستمرارية تلك النهضة بنهضةٍ متجددة تواصل المصير والمسير الذي انتهجه السلطان قابوس طيب الله ثراه، فقد أسدى توجيهاته الكريمة، بأن يظلّ الاحتفال بالعيد الوطني في الثامن عشر من نوفمبر من كل عام، كما هو المعتاد عليه، تكريماً لـوالدنا السلطان الراحل رحمه الله، وتقديراً للشعب العماني، لكي تتواصل نهضة البناء القابوسية مع النهضة المتجددة الهيثمية ، بكل تفاصيلها وإيدلوجية مسارها، كي لا يختلط على المواطنين تفاصيل ما اعتادوا عليه محافظاً على شعور المواطنين، ومطمْئِناً الشعب بأن أفراح نوفمبر ستستمر وسيكون الاحتفال الوطني كالعادة في هذا الشهر الخالد وفي نفس اليوم المبارك، وها نحن نرى الشوارع وقد توشحت بأعلام السلطنة، و لبست المباني حليتها الوطنية، ابتهاجاً بهذه المناسبة.

قد يكون العيد الوطني الخمسين المجيد في هذا العام مختلفاً عن الأعياد التي تعوّدنا عليها كل خمس سنوات، و هذا راجع لسببين:
أولهما: جائحة كورونا(كوفيد 19) التي حالت دون التجمعات، قلبت الموازين رأساً على عقب.
وثانيهما: الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها العالم أجمع وليس فقط سلطنتنا الحبيبةُ عُمان، وذلك بسبب انخفاض سعر المحروقات العالمي، و جائحة كورونا (كوفيد 19) التي أثرت سلباً على الإنتاجية و أنخفاض معدل الصادرات، واستنزاف الأموال.
كل ذلك له تأثيره على المستوى المحلي والعالمي، و رغم ذلك فالذكرى غالية، والاحتفال بها ولو كان رمزياً، يظلّ له طعمٌ آخر، ونحن نستذكر مناقب والدنا السلطان الراحل طيب الله ثراه، وما أنجزه من عطاءٍ ونماء لعمان وشعبها.

إن شهر نوفمبر شهرٌ استثنائيّ لدى العمانيين، عايشوا تفاصيله، فهو مناسبة تذكرهم بأيام الحياة السابقة التي عاشها الشعب العماني فكانت حياتهم محاطة بأسوار الجهل، والتخلف، والصراعات القبلية والغربة، التي لازمت العمانيين حِقَباً طويلة، تخلفوا من خلالها عن مواكبة التقدم والتطور الذي عاشته الشعوب من حولنا، حتى انبلج نورٌ أضاء عُمان، وشمّر العمانيون عن سواعدهم مع قائدهم يداً بيد، وأنجزوا ما تخلفوا عنه في وقتٍ وجيز، وتحولت ذكرى العيد الوطني إلى ظاهرةٍ وطنية تعمّ فيها الفرحة والسرور والابتهاج، تبرز من خلالها الانجازات التي أُنجزت خلال العام المنصرم، ومناسبةً للحثّ على العمل الجادّ والاجتهاد، والمواصلة في تكملة مسيرة الإنجاز للعام القادم.

العيد الوطني فاصلةٌ زمنيةٌ يعيشها الشعب بين ما أُنْجزَ وبين ما سوف يُنجز في العام القادم، بهمّةٍ ونشاط خلف القيادة الحكيمة لقائد البلاد المفدى حفظه الله، مشمرين عن سواعدهم في سباقٍ مع الزمن، ليَصِلوا للمستوى الذي يليق بعُمان ومكانتها التاريخية.
حفظ الله عُمان قائداً، شعباً، وأرضاً.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights