تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

تاريخ عظيم ومستقبل ضائع (سفيتلانا أليكسييفيتش)

خلود الدعجاني

سنة 2020، أخذت حصة لا بأس منها في الثقافة الروسية، انتهيت من الكتاب الخامس لـ (سفيتلانا أليكسييفيتش) زمن مستعمل -نهاية الإنسان الأحمر-، قبل التحدث عن هذا الكتاب سأذكر كتبها السابقة وعن ما تطرقت له.
(سفيتلانا) كاتبة بيلاروسية عاشت في الاتحاد السوفيتي، شاهدت وسمعت وكتبت قصص مباشرة من أفواه (الحمر) أغلب الروس السوفييت يفضلون إطلاق هذا المسمى عليهم.
في أولى كتاباتها (ليس للحرب وجه أنثوي)، كتبت عن الحرب العالمية الثانية، ليست من وجهة نظر الرجال كالعادة، أو عن بطولات الجنود، كل ما هدفت له عن النساء اللاتي أتجهن نحو الجيش تطوعاً وإجباراً من أجل الدفاع عن الوطن عن الاتحاد السوفيتي ضد هتلر والجيش الألماني (الأنيق)، وصفت شُح الملابس أثناء الشتاء، والطعام طوال أعوام الحرب، وصفت أسلحة الألمان وكيف كانوا يرتدون أجود وأدفى الملابس أثناء البرد، عن الممرضات والطباخات، وعمن شاركن في خط الدفاع الأول، عن وضعهن بعد الحرب عن نبذ المجتمع لهن.
ثم في كتابها (آخر الشهود) مونولوج آخر كعادة (سفيتلانا) لكن هذه المرة على لسان من كانوا صغاراً أثناء الحرب العظمى أو الحرب العالمية الثانية، من فقد أهله ومن يتذكر المشاهد التي رسخت في ذهنه، كانوا يصفون جو الحرب بكل شيء رمادي، أما بعد الحرب كل شيء مليء بالألوان.
كتابها (فتيان الزنك) هنا حرب أخرى لكنها في زمن آخر وفي مكان مختلف، أفغانستان من (1979 – 1989)، عن الشبان الذين ذهبوا لإعمار البلد المستضيف سواء طوعاً أم تجنيداً إجبارياً، ولكن هناك بلاد غريبة ذاقتهم الويل.
نأتي لكتابها الرابع (صلاة تشرنوبل)، هنا تستمر معاناة الروس والشعب الروسي، في انفجار المفاعل النووي وما ترتب من خسائر بشرية ومادية يعجز العقل عن استيعابها وما زالت المنطقة تصدر إشعاع خطر على البشرية، ما أنتج تشوهات للمواليد وأمراض أصابت العاملين وأهالي المنطقة.
ثم كتابها الأخير (زمن مستعمل نهاية الإنسان الأحمر)، تسرد (سفيتلانا) للقراء أحاديث الشعب الروسي عند صدور الحركة الإصلاحية (البيريسترويكا) وتعطش الروس للحرية والرأسمالية، ثم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والشغب الذي صاحبه عاش البعض في حالة صدمه من السوفييت القدماء في مقابل الشباب الطائش الراكض وراء الجينز والمرتديلا.
(سفيتلانا) ذكية في اختياراتها للقصص، بعضها طويل يتحدث عن ألم فراق الأحبة، عن الأب المتعاطي للكحول، وعن الجدة التي أمضت نصف حياتها في المعتقل، عن تعظيم السوفييت للينين ولستالين، عن بطش الشرطة، وخبث الجيران، عن البلاغات من الأقرباء، وعن خيانة الصديق.
لاحظت حس ورقة الروس عند التحدث عن الطبيعة وعن الحب، لديهم تقديس للتاريخ وللكتب والمسرح، يصفون الغابات والورود بطريقة لا يصفها شعب آخر، لطالما كنت متيمة بقصة أنستازيا، وتأملي في قصر الشتاء، واقتنائي للماتريوشكا، أحب الموسيقى الروسية واختلاف الرقص في كل منطقة، روسيا كبيرة جداً مليئة بقصص كثيرة أغلبها مدفون ولكني ممتنة لـ(سفيتلانا)؛ لأنها فتحت باب جديد في أدب مختلف وأوصلت لنا أحاديث لأشخاص لن نتمكن أبداً من مقابلتهم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights