كانت ضحكة … ورحلت
أسماء بنت جمعة المخينية
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون .. كُلنا لقضاءِ اللهِ راحِلونْ وهذا حقُ إيمَانْنا بالقضاءِ والقدرْ والموتْ سائر على كلِ العبادْ فقال عز من قائل ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” (185)،آل عمران٠ ” إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ” (30)،الزمر.
سبحان الذي قهر العباد بالموت، أصعب اللحظات هي لحظات الرحيل بلا عودة، وأقسى المشاعر إحساسك بأن لا لقاء بعد اليوم، فقد رحل من كنت تهوى صحبته وتتشوق لحديثه وتسعد بلقائه حتى وإن كان على فراش الموت ورحيله بات يقينا تبقى آلام الحزن تجرك جرا وكأنك لم تتوقع موته .
في يوم عيد الفطر كان أو الأضحى أنتظره؛ لأنه عودني على انتظاره ومباركته الطيبة وحضوره أصبح عليه لزاما، وانتظاري له كان فرحا وسرورا أحيانا قبل أن يطرق الباب، أسمع ضحكته مع أحدهم فأبتسم وأخفي في خاطري دعاءً بأن يديم الله ضحكتك ويبارك لك في عمرك وشبابك، فيأتي إليَّ وخيزانته في يده ويعلو صوته بالترحيب وفرحة العيد ولا تعدو كلمة إلا وعانقتها ابتسامته وتكشخت أسنانه فأعطى الجميع من جمال ابتسامته ارتياحا ، يضحك مع هذا، ويمازح ذاك، لا يصافح بيد واحدة ولا يسكت من الترحيب والتهليل، وأنا أكتب الآن تتهادى إليَّ قهقهته التي افتقدها الكثير حين مرض وغاب عن أعيننا فترة علاجه .
في يوم وفاته رأيت كل العالم يبكي، كل من يعرفه يبكي، رجال الحارة ونساءها، صغارها وكبارها، لقد رحلت الضحكة التي يعرفها الجميع، رحل صاحب القلب الكبير ، رحل من جعل عبيرا تعبق بذكراه في قلب كل من أحبه وعاشره ، وترك أمجد ليمجّد اسمه ويُبقي أثر الطيب والنقاء وليكمل مسيرة أبيه في محبة الناس وعطفه ولطافة ملتقاه ، وأبقى أحلامه الصابرة التي كانت الظهر الصلب والعكاز القوي والوجه الذي لم يغب عنه أبدا، سيدة الابتسامة حيث لم تبدي حزنا ولا ألما ولا جزعا وهذا ما وجدته في ردها لي يوما (الحمد لله فنحن دائما في نعمة وعافية، فشاء الله سبحانه أن يبتلينا ليرى مدى رضانا، أنصبر أم نجزع وفي كل الأحوال كله خير من الله) في كلماتها ثقة بالله وفي قلبها صبرا لو وزع على أهل الابتلاءات لزادتهم تحملاً وجلدا .
كانت ضحكة ورحلت يا أبا عبير وما زالت رحمات القدر تقطف من زهور مخا أنقاهم وأصفاهم ، سيأتي العيد يا أخي وإن كنتُ أنا من الباقين سأتصور حضورك وسأمدُ يدي بالدعاء بأن تكون في عليين وفي روح وريحان وجنة نعيم.