حملة نصرة الرسولمقالات صحفية

وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

د. رضيه بنت سليمان الحبسية

إنّ العالمَ اليومَ غارقٌ في تحدياتٍ وقضايا شائكة، بين الاقتصاديّة، الصحيّة، الاجتماعيّة، والسياسيّة. وتظهر انعكاسات تلك القضايا جليّا على جوانب ومجالات حياتنا المختلفة، وتتباين تأثيراتها بين مجتمع وآخر، بل وبين فرد وآخر. وأبرز تلك الآثار: أسلوب تفكير الناس وتعاطيهم معها، ونظرتهم للحياة ومستقبلها، فإمّا التفاؤل أو التشاؤم. وما بين التفاؤل والتشاؤم خط مستقيم يُحددّ فيها الفرد موقعه من كل قضية بقدر ارتباطه بها، ودرجة تفاعله معها.

يُمثّلُ التفاؤل مبدأً أساسيًّا من مبادئ التعامل مع ما يواجه الإنسان من أزماتٍ وعقباتٍ، فإنْ فُقِدَ التفاؤل فُقِدَ التوازن، واضطرب التفكير، وتمكّن اليأس من صاحبه؛ ليبلغ مبلغًا قد يؤدي بصحته إلى مستنقع خطر. في حين أنّ التفاؤل والأمل يجعل نظرة الإنسان للأشياء إيجابية، ويبعث على الراحة، وبالتالي زيادة صلابته النفسية. فالتفاؤل قوة دافعة وشعور داخلي يولّد في النفس حماسةً ورغبةً قويةً لتحقيق الفرد لآماله وغاياته. قال تعالى : ” قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ” والتطير هنا يأتي بمعنى التشاؤم.(سورة يس، الآية: 19).

لا تخلو حياة البشر من كوارث وابتلاءات، ولها من الآثار والتداعيات مما يؤثر سلبًا على سير يومه، فتضعف قوته في مواجهتها، ويتسلل اليأس إلى نفسه، ويصبح عاجزًا عن تحقيق أهدافه. ولو تأمل المسلم لكثير من المواقف والغزوات التي خاضها رسولنا الكريم ﷺ، يجد فيها دعوة واضحة بوجوب التفاؤل والابتهاج، بعيدًا عن الإحباط والانكسار. فلنا في سيرته العطرة ﷺ أسوةٌ حسنةٌ في التَّوكل على الله، وحُسنِ الظَّن به.
فقد كان ﷺ خير نموذج يُحتذى به في التفاؤل وحسن الفَأْلُ، ويُقدّم أعظم صور التفاؤل والاستبشار. إذ يحثُّ أصحابه على ذلك في مختلف الظروف على اختلاف حدّتها وخطورتها، فهي منهج نبوي في التعامل مع الأزمات والمحن بعيدًا عن التشاؤم واليأس. ومن تلك المواقف ما يلي:
– حينما اشتد أذى المشركين على أصحاب رسول الله ﷺ في مكة، وفد إليه بعض الصحابة يسألونه الدعاء لهم، فبادر عليه الصلاة وأزكى السلام ببث روح التفاؤل في نفوسهم، رغم قسوة الموقف وشدة التنكيل والتعذيب الذي تعرّض له المسلمين.
– تفاؤل رسول الله ﷺ وهو بالغار مع صاحبه أبي بكر، فقد روى أبي بكر رضي الله عنه ذلك بقوله: “قُلتُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وأَنَا في الغَارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا”.
– في غزوة الأحزاب: برغم ما أصاب المسلمين من تعبٍ شديدٍ في حفر الخندق، وحصار المشركين لهم، وبلوغ الأزمة أوجها، كان النبي ﷺ يغرس في أصحابه التفاؤل والأمل، ويَعدهم ويُبشرهم بفتح الشام وفارس واليمن.
– في غزوة خيبر: حينما سمع ﷺ كلمةً – من أحد أصحابه – فأعجبته، فقال: «أَخَذْنَا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ» (رواه أبو داود). أي: تفاءَلْنا من كلامك الحَسَن تيمُّناً به.

الخاتمة:
التفاؤل هو عملية نفسية إرادية تولّد أفكارًا ومشاعرًا بالفرح وتقديرًا للذّات والثقة بالنفس، وهو بخلاف التشاؤم الذي يستنزف طاقة الإنسان ويشعره بالضعف والانهزام. فالتفاؤل والتشاؤم عاملان أساسيان في تخطي الصّعاب والمحن من عدمه، مما يتوجب البحث في استراتيجيات ناجعة لمواجهتها والتعامل معها بحكمة. وخير ما يمكن للإنسان التأسي به لمواجهة ما يعتريه من تحديات وعقبات هو: التّفكر والتّدبر في سيرة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا محمد ﷺ التي تجددّ التفاؤل، وتبعث في النفس الأمل. عملًا بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} . (سورة الأحزاب، الآية: 21).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights