2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

نزاهة الوظيفة العامة حق أساسي للمجتمع

ظافر بن عبدالله الحارثي

إن مراعاة النظام العـام واحـترام الآداب العـامـة واجب على جميع سكـان المجتمع، كما أنها ترسخ فكرة دولة القانون، وتحارب فكرة الفساد، ومن تلك الجرائم التي تأثر على هيبة الدولة وتلحق المجتمع بأضرار عديدة هي جريمة الرشوة، وهي من الجرائم المخلة بالوظيفة العامة، بل هي اتجار الموظف العام بوظيفته نظير مقابل ما من أجل أن يخل بواجب من واجباته الوظيفية؛ ونظرا لخطورة ضرر هذه الجريمة اجتماعياً وفرديًا لم يغفل المشرع عن زجر وردع الأفراد منها بل أن من خلال نصوص قانون الجزاء وضع حداً لهذه الممارسات.

ولكي نفهم هذه الجريمة لا بد من معرفة أركانها التي تتمثل في: أولا، صفة المرتشي والذي يشترط أن يكون في الموظف العام وهو بحسب قانون جزاء المادة ١٠ (أ – كل من يشغل منصباً حكومياً).
ب – أعضاء مجلس عمان، وأعضاء المجالس البلدية.
ج – كل من كُلِّف بالقيام بعمل معين من إحدى السلطات العامة المختصة في حدود تكليفه.
د – ممثلو الحكومة في الشركات، والعاملون بالشركات المملوكة للحكومة بالكامل، أو تلك التي تساهم الحكومة في رأس مالها بنسبة تزيد على (٤٠ ٪؜) أربعين في المائة.
هـ – أعضاء مجالس إدارة الجمعيات الأهلية العمانية (ذات النفع العام).
ثانياً، ركن مادي يقوم على فعل القبول(وهو تعبير عن إرادة الموظف العام ينطوي عليه تلقي المقابل المعروض عليه من قبل صاحب الحاجة الراشي)، أو الطلب (والذي يتمثل في طلب الموظف العام الحصول على مقابل نظير أداءه الوظيفي) أو الأخذ (حصول الموظف العام فعلاً على مقابل) وكل هذا يعرف بالسلوك الإجرامي وتكفي أي صورة منها لوقوع الجريمة؛ وأخيراً، الركن المعنوي والذي يتمثل دائماً في القصد الجنائي.

إن المشرع في هذه الجريمة ركَّزَ على الموظف العام أكثر مقارنة بالشخص الراشي (الشخص الذي ينجز له العمل مقدم الرشوة)، وذلك على اعتبار خطورة هذه الجريمة وما يترتب عليها من آثار تهبط الدولة بسببها لمستويات دنيئة، وحجم الإضرار بالمصالح الذي تسببه وغيرها، كما أراد المشرع تسليط ضوء المحاسبة على الموظف العام كما سلط سابقًا على ضرورة احترام الموظف العام وتقدير جهده، بجانب عدد من الضمانات التي تحميه مقابل عدم خضوعه لأي سبب من أسباب التشتيت عن أداء الواجب؛ ويتضح ذلك جليًا من خلال العقوبة الموقعة على كلٍ من المرتشي والراشي بل في اعتبار الراشي شخص مساهماً يتبع المرتشي وأيضاً في اعتبار وقوع جريمة الرشوة إذا بدأت من قبل الموظف العام في حين اعتبارها الشروع في الجريمة إذا بدأها الراشي ولم تكتمل.

والجدير بالذكر أن القانون يعتد بأي مقابل مهما كان حجمه ولونه ووزنه وغيرها من المعايير القياسية لاعتبارها رشوة متى ما قدمت للموظف العام من أجل قيامه بعمل لمصلحة الشخص المعطي؛ ولكن التطبيقات القضائية استثنت من ذلك المقابل ما اعتاد أفراد المجتمع على القيام به من عادات وتقاليد كالعزيمة (دعوة الأفراد لمائدة طعام) وإكرام الضيف وغيرها من الممارسات العرفية؛ وهذا الأمر ساعد على تفريق الجمهور ما هو رشوة وما هو هدية أو كرم، وهو أمر قد يستصعب على الأفراد معرفته؛ نظرًا لتشابه بعض التصرفات ولكن يبقى القصد الظاهر والحقيقي دلالة على هذه الجريمة.

إن فكرة القانون وأهمية التقيد به يجب أن تكون نابعة من المسؤولية الفردية والإرادة الطوعية التي تتأتى من خلال فهم صحيح القانون وإدراك مخاطر الجريمة والسلوك الإجرامي في المجتمع والآثار المترتبة عليه، ووعي الأفراد بجوهر القانون ورسالته؛ وذلك حتى تستقر في الأذهان وتصدقها الجوارح وتُفَعَّلْ من خلالها الرقابة الذاتية للفرد والمحاسبة الضميرية التي لها دور كبير في استقامة السلوك وتهذيبها فضلًا عن الإيمان بالله والعلاقة التعبدية التي هي أساس قواعد الأخلاق التي بوجودها وحدها تُغنِي عن قواعد القانون.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights