شفاكِ الله وعافاكِ أيتها الشجرة المباركة
راشد بن حميد الراشدي
إعلامي وعضو مجلس إدارة
جمعية الصحفيين العمانية
——————————————
في وفاء المحسنين وصفاء الأوّلين،
قد جُمعت كلّ رحمات ربّ العالمين.
هي جدتي خالة أمّي وخالة أبي رحمه الله.
هي الشجرة المباركة لعائلةٍ كريمةٍ تمتدّ من مئات السنين.
أبناؤها وأحفادها وإخوانها وأخواتها وأبناؤهم كلٌّ له ذكرى جميلة معها وأثَرٌ مع هذه الأمّ الرؤوم صاحبة البسمة و البِشر والخير واليد الطّولى في كلّ أسرةٍ وبيت، فظلالها امتدت كشجرةٍ وارفةِ الظِّلال لمئات الأنفس يستنشقون عَبيرها الحاني عليهم في كل حين، ويجتمعون تحت ظلالها في كل مناسبةٍ سعيدة.
وعندما سقطت الشجرة المباركة في أتون المرض، تسابقت الأنفس جميعها وكلّ من عَرفها في بلدتي (سناو) بالدعاء لها بأن يشفيها الله من المرض وشرّ الأسقام ويعافيها ويعيدها مخضرّةً مزهرةً يانعةً بالنّور والخير.
هي مَن وهبتْ حياتها لأهلها جميعاً، تضمّد جراحهم وقد قاربت على التسعين من عُمرها حاملةً لواء التفاني لكل قريبٍ وبعيد، من أجل أن تكسب أجراً في ميزان حسناتها.
أتذكّرها جيداً تأتي لبيتنا في مرض أمي وأنا صغير، تقوم بأعباء البيت كاملة، وهي مسرورة تضاحكنا بعفويتها الباسمة فتدخل تلك الابتسامة في قلوبنا وتغرس قِيماً صالحةً في نفوس الناشئة ليُشرق الفرح في بيتٍ جديدٍ بزيارتها المباركة.
هكذا عاشت في خدمة الجميع مكافحةً مشمّرةً عن ساعديها تحمل تلك الأيادي المباركة كلح السنين.
هذه المرأة التي عرفها الصغير والكبير فقد كانت الأمّ الحانية على الجميع. تعلّقتْ بها الأفئدة حتى ابنتي تجالسها وتسأل عنها فأصبحتْ ذات الأربع عشر ربيعاً صديقتها، فمن يدخل ذلك القلب الكبير لا يخرُج أبداً.
اليوم وهي مريضة، أرفع يدي إلى خالقي سائلاً الشفاء العاجل لها داعياً الله أن يرزقها خيرَي الدنيا والأخرة. فهي الأمّ الرؤوم للجميع، تحمل في قلبها الكبير وسنين عمرها مئات الذكريات الجميلة، والتي لو سردناها لَما اتسعت لها المجلدات، وقد عاصرتُها بين عمان وساحل زنجبار في كفاحٍ حملته تلك السنين الخوالي فكانت شجرتها المباركة دعاء طفلٍ أو يافعٍ أو كهلٍ بأن يشفيها الله ويعافيها ويرزق أبناءها الأخيار برّها وخدمتها والصبر على تمريضها.
إنها جدتي التي وجدتُ بقربها للحياة طعماً آخر، بصفاء قلبها وقلوب الأجداد وصِدقهم مع خالقهم، الذين عاشوا له في هذه الدنيا فكانت النتيجة قلوباً عامرةً بمحبة الله ونوراً في مُحيّاهم تتلقّفه تلك الابتسامة الغالية العزيزة.
إنها جدتي التي حملتْ معول الخير تشقّ به سنواتٍ عجافٍ من عمرها فكوّنت أنهاراً متدفقة بالخير وجناناً وبساتين عامرة بأطيب الثمار، فطوبى لها لِما غرسته في قلوبنا وجزاها الله عن الجميع كل خير.
إنها جدتي تلك الشجرة المباركة الوارفة الظلال والثمار شفاها الله وعافاها، فليس لنا اليوم وفاءً لها إلا الدعاء في كل حين بشفائها.
فاللهمّ اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين واغفر لموتانا وموتى المسلمين، وارفع عنا هذه الجائحة وسائر الأوبئة والأسقام يا رب العالمين.