مجمل أوصافه صلى الله عليه وسلم
د .علي زين العابدين الحسيني – باحث وكاتب أزهري
أيّها المحبُّ -أطالَ اللهُ بقاءَك بطاعته، وسلكَ بك سبيلَ أحبائه-: سألتني أن أذكرَ لك الصفاتِ المحمدية، وألححتَ عليّ في ذلك، فأجبتُ طلبكَ ولخصتُ لكَ مجمل صفاته -صلى الله عليه وسلم- مبتدئاً بصفاته الخِلقية ثمّ الخُلقية مما هو مذكورٌ في كتب الشمائل في كلامٍ مختصرٍ، يسهل في الزمن اليسير حفظه، وفهم معانيه.
كان -صلى الله عليه وسلم- حسنَ الجسم، معتدلَ الخَلْق، ليس بالطويل المفرِط، ولا بالقصير، مستوي البطن والصدر، أبيض مشرَباً بحمرة، ليس بالشديد البياض، ولا بالشديد السُّمرة، عظيم الرأس والأعضاء؛ كالمنكبين، والركبتين، والورِكين، عريضَ المنكبين، حسنَ الشَعر، ليس بالشديد الجعودة، ولا بالشديد النعومة، شديد سواد الشعر، يصل شعره إلى أنصاف أذنيه، ويفرُق شعره، طويلَ شعر الصدر إلى السرة، وفي شعره قليلٌ من الشيب، ويخضب شعره.
وكان -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس وجهاً، مليحاً أبيضَ مثلَ القمر، واسعَ الجبين، ومستوي الخدين غير مرتفع الوَجنتين، عظيم العينين، طويل شقهما، مشربَ العين بحمرة، أسودَ الحدقة، طويل شعر الأجفان، شديد سواد أجفان عينيه، عظيمَ الفم، حَسَن مقدم الأسنان، كثير شعر اللحية، أسودَ شعرها، وفيها شعراتٌ بيضٌ.
كانت ذراعاه -صلى الله عليه وسلم- طويلتين عريضتين، ويداه أبرد من الثلج، وأطيب من المسك، وكفه ألينَ من الحرير، تميل إلى الغِلَظ والقِصَر، ولساقيه بريقٌ وبياضٌ، وكانت قدماه -صلى الله عليه وسلم- تميلان إلى الغِلَظ والقِصَر، وكان ضخمَ القدمين، مستو باطنهما، قليلَ لحم العَقِب، يُرى لمعانُهما، وإذا مشى -صلى الله عليه وسلم- مشى مشياً سريعاً قوياً يرفع رجليه عن الأرض رفعاً تاماً كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت بجميع بدنه، ولم يكن يلوي عنقه.
كان ظهره -صلى الله عليه وسلم- كقطعة فضة في البياض والصفاء، وخاتمُ نبوته شعراتٍ بين كتفيه -صلى الله عليه وسلم- مثل بيضة الحمام، وكانت رائحته أطيب من المسك والعنبر، وكأنّ عرقَه -صلى الله عليه وسلم- اللؤلؤ.
وأما صفاته الخُلقية فكان -صلى الله عليه وسلم- أشدّ حياءً من العذراء في خِدْرِها، وإذا كره شيئاً عُرِف في وجهه، وإذا حدّث الناسَ حديثاً لو عدّه العادّ لأحصاه، وإذا تكلّمَ بكلمةٍ أعادها ثلاثاً حتى تُفهمَ عنه، وينشد الشِّعر، ويتناشد أصحابه الشِّعر في مجلسه، ويضعُ لحسانَ مِنبراً في المسجدِ يُدافع عنه شِعراً، وكانَ متواصلَ الأحزان، دائم الفكرة، طويلَ الصمت، لا يتكلم في غير حاجةٍ، يبتدئ كلامه ويتمه باسم الله تعالى، ويتكلم بجوامع الكلم.
مِن أكثر الناس تبسماً، فما رأى أحداً من أصحابه إلا تبسم في وجهه، ويمازح أصحابه، ليس بالغليظ الطبع، ولا المُهين، وأحبّ الثياب إليه القميص، والثوب المخطَّط، ويلبس حلة حمراء مخططة، وبردين أخضرين، وجبة شامية ضيقة الكمين، وعمامة سوداء يرخي طرفيها بين كتفيه، ويحبُّ التَّيَمُّنَ والطيب والاكتحال، ويكثر دَهْن رأسه، وتسريح لحيته، والقِناَع.
وكان خاتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصنوعاً من فضةٍ يلبسه في خنصر يده اليمنى تارةً، وخنصر يده اليسرى تارة، وكان نقشه ثلاثةَ أسطرٍ: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، ويلبس -صلى الله عليه وسلم- نعلين باليين قديمين، وخفين أسودين سادة، وكان أسفل سيفه وقبضته من فضة، وما بين ذلك حِلَقُ فضةٍ.
يقعدُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- القُرْفُصاء مُتخَشِّعاً في جلسته، وكانَ يجلسُ مُحتَبِياً، ويتكئ على وِسادةٍ من أَدَمٍ حَشْوها لِيفٌ على يساره، ويَسْتلقِي على ظهره واضعاً إحدى رجليه على الأخرى في المسجد، وينام على فراشٍ من جلدٍ حَشوُه لِيفٌ، ويضطجع على رِمالِ حصيرٍ ليس بينه وبينه فراشٌ.
يأكلُ -صلى الله عليه وسلم- مُحتفِزاً أَكْلاً مُسْتعجلِاً للحاجة بثلاثة أصابع، وإذا فرغَ مِن طعامه لَعَقَها قبلَ أنْ يمسحها، وما عابَ طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإنْ كرهه تركه، ولا يأكلُ متكئاً، ولم يأكلْ على شيءٍ مرتفعٍ، ويحبُّ الحَلواءَ، والعسلَ، والدُّبَّاء، ويتتبعها من حَوالَي الصَّحْفة، ويأكلُ الرُّطبَ بالقِثَّاءِ، والبِطِّيخَ بالرُّطبِ، وتعجبه ذِراعُ الشاةِ المشْوِية، ويعجبه المتبقِّي في الإناء من طعامٍ، ويأكلُ الدجاجَ، وإِدَامُه الخَلّ، ولم تكن عادته حبس نفسه على نوعٍ من طعامٍ، بل يأكل ما تيسر منه.
يَبِيتُ اللَّيالي المتتالية طَاوِياً، وأهله لا يجدون عَشاءً، وكان أكثر خبزهم خبزَ الشعير، وما شَبِعَ آله -صلى الله عليه وسلم- مُنذُ قَدِم المدينةَ مِن طعام البُرِّ ثلاث ليالٍ تباعاً حتى توفي، وما خُبِز له مُرَقَّق أو أكل الدقيق الأبيض قَطُّ، ولا يدَّخِر شيئاً لغدٍ، ويشربُ قائماً وقاعداً بيمينه مُتنفِساً خارج الإناء ثلاثاً.
إذا استيقظ -صلى الله عليه وسلم- مسح النوم عن وجهه بيده، وذكر ربّه، ثم قام إلى قِربةٍ معلقةٍ توضأ منها، فيحسن وضوءه، ثم يقوم يصلي، فيقوم من الليل حتى تَرِم قدماه، ويصلي صلاة النافلة في بيته، ويُكرم الناسَ، وكان أجود ما يكون في رمضان، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة، والمسكين، ويقضي حوائجهم، ويَفلِي ثوبه، ويحْلُب شاته، ويخدُم نفسَه، ويَقبلُ الهدية، ويُكافئ عليها، أحسن الناس خُلقاً، فلم يكن فاحِشاً ولا مُتَفحِّشاً.
ما سُئل -صلى الله عليه وسلم- شيئاً قطُّ، فقال: لا، وما ضرب شيئاً قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيله، وما نيل منه شيء قطُّ فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل، وما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
عجز الواصفون في وصفه -صلى الله عليه وسلم- وأقروا بعجزهم عنْ أنْ يصفوه وصفاً تاماً مشتملاً على تفصيلِ وذكرِ جميعِ أخلاقه العليّة، وأحواله السنيّة، حتى قال واصفه بالحسن والجميل على سبيل الإجمال: لم أرَ قبله ولا بعده مَن يوازيه خُلقاً وفضلاً، أو يساويه صورة وخَلقاً، أو يقترب منه سيرة وعملاً، فقال ناعته: “لم أرَ قبله ولا بعده مثله”.
تُوفِيَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين، وغُسِّل يوم الثلاثاء، وغَسّله عليّ، والعباس، وابناه الفضلُ وقُثَم، وأسامة بن زيد، وشقرانُ مولاه، وكُفِّن في ثلاثة أثوابٍ يمانيةٍ بيضٍ من قطنٍ، ليس فيهنّ قميصٌ ولا عمامةٌ، وصلّى عليه المسلمون يوم الثلاثاء جماعاتٍ، دخل الرجالُ، ثم النساءُ، ثم الصبيان، ولم يَؤُمَّ الناسَ أحدٌ، ثمّ دُفِنَ في حُجرةِ عائشةَ في وسط الليل من ليلة الأربعاء، ولم يترك درهماً ولا ديناراً ولا شيئاً إلا بغلتَه البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة، ومَنْ رآه -صلى الله عليه وسلم- في حال نومه فقد رآه حقاً؛ فإنّ الشيطان لا يستطيعُ ذلك.