2024
Adsense
مقالات صحفية

لا تنبهروا بالميراث فتقعوا في المحذور

خلفان بن ناصر الرواحي

خُلقِ الإنسان على حبّ المال، وَحَمَلَ أمانةً عظيمةً ولم يدرك ما لها وعليها، ولو كان له خيارٌ مرةً أخرى من وجهة نظري لأبى مثل ما أبَت السموات والأرض والجبال، ولكن هذه إرادة الله في خلقه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فقدَّرَ الله وما شاء فعل.
فالبرغم من هذا الميثاق الذي تعهّد به عند قبوله لتحمّل الأمانة بمفهومها الواسع؛ إلا أنه جُبِلَ على حُبِّهِ للمال متى ما شاءت له الظروف والسُّبل لامتلاك العديد من النِّعمِ العظيمة، كالنقود والعقارات والأموال والمواريث وغيرها من الممتلكات المادية الأخرى، وقد يصاب معظمهم بمرض الجشع والطمع وأكل التراث بحبه الجمّ لامتلاك الماديّات.
لقد أصاب العديد من الناس وخاصة في عصرنا الحاضر مرض احتواء الميراث مما يتركه الوالدين أحدهما أو كلاهما، وغالباً ما يكون ذلك المرض عند الابن الأكبر أو الأقرب إليهما من حيث التعامل والمعايشة، فيستغلّ هذا الأمر لمصلحته الشخصية، ويوهم الورثة الآخرين بأنه هو الأَولى بتولّي أمور المواريث، ويصول ويجول، ويتصرف كيفما يشاء دون مبالاة أو مراعاة لحقوق الغير.
وهذا في حدِّ ذاته وهمٌ تغلِب عليه غلبة النفس الأمّارة التي تسوّق له الأوهام، وتتلوّن له بزهوة حبّ التملك وقيادة دفة الميراث فيما يشاء ويحلو له وفق أهوائه وطمعه، وقد يجد في بعض الأحيان من يسانده على ذلك التصرف مِن بين الورثة ومَن هو على شاكلته، ويوهم الورثة بأنه حريصٌ كلّ الحرص على عدم التفريط فيما خُلِّف لهم، وأنَّ عليهم أن يحافظوا عليه، وبأنهم غير قادرين على تحمّل هذه المسؤولية؛ وبهذا يُنْصِّبُ نفسه بأنه المُنقذ ومتولّي الأمر بعد والدهم إن كانوا ورثوه أو عن والدتهم إن كان أباهم قد توفي قبلها.
قد يتصرف البعض بأسلوبٍ عاطفي، ويُظهر وجه البراءة في التعامل مع الورثة، وهو في باطنه خيالٌ واسعٌ لحبّ التملك والسيطرة على تلك المواريث، ويقوم بتوزيع الميراث وفق حساباته الخاصة بتقدير الأثمان وتوزيع التركات، دون وجود طرفٍ مُحايدٍ لتقييمها وتوزيعها بالعدل بينهم، فيختلق المبررات الواهية، ويدَّعي في بعض الأحيان بأنه هو الأحق بها حيث كان مُنفقاً على والديه في البناء والعمارة لتلك الممتلكات، ونسيَ المسكين أن ذلك حقٌ من حقوق الوالدين في الإحسان إليهما. وغالباً هنا يكون الضحية الإخوة الصغار والأخوات ورُبما الأمهات أيضاً، حيث يكون أمرهم بين المطرقة والسّندان، فلا خيار لهم ولا مشورة، وما عليهم إلا الولاء والطاعة إمّا قهراً وإما تعاطفاً ورضىً بالواقع.

كما أنَّ هناك فئةً أخرى تُقْنِعُ الورثة بأنّ الميراث لا يُقسّم ويبقى مشاعاً للجميع؛ من مبدأ ِ المحافظة على تماسك الأسرة، ويطول الزمان، ويتوفى من يتوفى ولم يأخذ أو يعرف حقه، وتكبر شجرة العائلة ويظلّ الميراث مشاعاً للجميع وتغيب الحقوق.

لهذا يجب علينا جميعاً أن ننتبه لهذا الأمر، وننبّه عليه، ونعي عواقبه علينا في الدنيا والآخرة، ونستشعر عظمة الأمانة، وأداء الحقوق، وتبرئة النفس من الذمة، ونتدارك أنفسنا قبل فوات الأوان، وحتى لا نكون ضمن زمرة اللذين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الفجر بقوله سبحانه: {كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)}.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights