يعقوب بن حميد المقبالي
لأن النفس عزيزة وغالية، ولأننا لن نستطيع تقديم أي مساعدة أو دعم لأحد من الناس إذا لم تكن هذه النفس في أحسن حالاتها.
ولذلك: أَستشهدُ بحديث الفاروق عُمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عندما قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: لأنت يا رسول اللّه أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي فقال عليه الصلاة والسلام : لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عُمر: فإنك الآن واللّه أحب إليّ من نفسي فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : الآن عُمر. (رواه البخاري).
لقد قال عُمر رضي اللّه عنه لرسول اللّه -صلى الله عليه وسلم – في بداية: أنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي – أي أنه قد علم بقيمة النفس وأنها الأحب إلى القلب- ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلب الأكمل والأشمل والذي هو محبته أكثر من نفسه؛ وذلك لأن محبة الرسول عليه الصلاة والسلام تعود في النهاية لمصلحة هذه النفس ومصيرها الأبدي.
نفسك جوهرة ثمينة فتبناها… اعطها حتى تعطيك… ومن أحق من نفسك أنت وذاتك بالتبني؟! … الناس من حولك زملاء رحلة حتى لو كانوا أقرب الناس إليك… ولن تستطيع أن تمنحهم ذرة من الاهتمام والرعاية إذا كنت ضعيف النفس، مدمراً من الداخل، فكلنا يعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه.
جاء جبريل عليه السلام إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (( يا محمد، أحبب من شئت فإنك مفارقه)). (رواه ابو زرعه الرازي).
فأنت حتماً ستفارق كل الناس الذين التفوا حولك في يوم من الأيام، والخلود لله… وستعيش معك هذه النفس من الحياة الدنيا إلى الحياة السرمدية الأزلية…
فمن يهمك الآن أكثر: الفاني أم الباقي؟.
اعمل دائماً وأبداً على أن تراها فى أحسن مكان في الدنيا والآخرة…. ولتعلم: أن عظمة نفسك وسمو ذاتك، سيفيض نوراً على من حولك في الحياة الدنيا.
أيتها النفس! كوني كما أراد الله لك في أعلى عليين.
تبنى نفسك، لأنها طفلك الصغير الذي ينتظر منك كل شي…
اجتهد على أن تضعها في أفضل الأماكن، وأن تلعب في مسرح الحياة دوماً دور البطل… اجتهد عليها ولكن لا تفسدها في الدلال أو تدفنها بالإهمال.
إن هذا الطفل الصغير إذا ما عرفت قيمته، وأحسنت الاهتمام به، عاد عليك في المستقبل رجلاً عظيماً…
اعرف نفسك… ثم تبصر في أمور الدنيا، وتعلم ما هو الصحيح من الخاطىء…
النفس مرآة، إذا اعتنيت بنظافتها صارت صافية كالماس وتمكنت أن ترى الصورة الحقيقية لكل شيء حولك…
وأختم مقالي بمقولة (أبو الحسن سمنون بن حمزه) عندما قال:((من تفرس في نفسه فعرفها صحت له الفراسة في غيره وأحكمها)) .
