2024
Adsense
مقالات صحفية

إدارة الأزمات .. ثقافة

أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com

تداول “واتسآبيون” في مجموعةٍ ما، قصة ظريفة – باختصار – أن هناك شابّةٌ بالغة الجَمال، وضعتْ أمّها شرط تزويجها (500.000) من النقد المتداول في مكان القصة وزمانها، مما أعجز الخُطّاب عن التقدم لخطبتها، وأُغرم بها شابّ لا يملك سوى (200.000) فقط، فناقش ذلك مع والده، فطمأنه على زواجها بأقلّ من ذلك المبلغ، فذهب الشاب ووالده، وطلبا يد الفتاة، فلم توافق الأمّ إلا بالمبلغ الذي وضعته شرطاً لتزويج ابنتها، فقال لها والد الشاب: مائة ألف مهر ابنتك، والمائة الأخرى مهرٌ لكِ لتكونين زوجة لي، فوافقتْ على الفور بإتمام الزيجتين.
تعكس القصة شيئاً من الطرافة في بادئ الأمر، ولعلّ واضعها لم يُرد لها إلا ذلك فقط، ولكنها في المقابل تُظهر صوَراً ومواقف في قُدرة الأفراد على إدارة الأزمة، وتحويلها من حالةٍ خاسرة، إلى حالةٍ رابحة، وهذا الأمر ينطبق كثيراً على كثيرٍ من سلوكياتنا في هذه الحياة، فكثيرٌ من الناس تعوزه الحكمة والحيلة في إدارة أزماتهم، ومشاكلهم، عندها؛ أن يقفوا حائرين يضعون يداً على خدّ، واليد الأخرى على الخدّ الآخَر، مُظهرين عجزهم الكامل عن حلٍّ لمشكلاتهم، أو إدارة أزمتهم، موظِّفين في ذلك خبراتهم، وما يظهرونه من حكمة (ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا) – حسب نص الآية الكريمة – وقد تخرج عن سيطرتهم فيتولاها آخَرون عنهم، ومِن هؤلاء الآخرين من هو انتهازي؛ و”يصيد في الماء العَكر” فيحوّلها لصالحه وفق ما يحتاج إليه من جوانب هذه المشكلة أو تلك، ولذلك خربت بيوتٌ كثيرةٌ جرّاء تقلّد آخرين قيادة الدفّة عن من هو الأحقّ في إدارة مشكلته.
وهذا لا ينطبق فقط على الأفراد في محيطهم الضيّق، وإنما ينطبق حتى على الدول، حيث تتولى دول أخرى قيادة الدفة بدلاً عن قادة الدول الضعيفة فتسلّم “الجمَل بما حمل” ومعروفةٌ مواقف الاستغلال في كل هذه الصور سواءٌ على مستوى الأفراد، أو على مستوى الدول والجماعات، والواقع مليء بهذا النوع من القصص التي يتفنن أبطالها في وضع المزالق والمهاوي التي توقع الأفراد في شباكها، وخاصّة اليوم مع تطوّر الثورة الاتصالية التي تخرج عن السيطرة، فتتقصّد الأفراد في عقر ديارهم بصورةٍ مباشرة، وكَم اليوم نقرأ عن ضحايا توقِعهم إمّا الصدفة، وإمّا التقصّد المباشر في شِباك هؤلاء الذين لا يخافون في خَلق الله؛ إلّاً ولا ذمّة.
يُعيد البعض سبب ضعف إدارة الأزمة إلى قلّة الخبرة في الحياة، ويعيدها البعض الآخر إلى صغر العمر، فكبار السنّ، بِحكم خبرتهم وتجاربهم الكثيرة التي مرّوا بها يكونون الأقرب إلى القدرة على إدارة أزماتهم، ويعيدها ثالث دٌ إلى ضعف الثقافة المجتمعية، التي تهملها الأسر في أنْ تعزّز أفرادها بها منذ نعومة أظفارهم، وذلك من خلال إعطائهم المجال في حلّ مشاكلهم الصغيرة بأنفسهم، ولا يتدخل الكبار في المساعدة المباشرة إلا عندما تعوز هؤلاء الفتية الخبرة والحكمة، والأخذ بأفضل الحلول، ولأنّ واقع اليوم أكثر تعقيداً عمّا ألفناه، لتعقُّد الحياة، وتداخُل مصالح الناس أكثر، يستلزم الأمر أكثر بأنْ تتبنّى الجهات المسؤولة تعزيز ثقافة إدارة الأزمات على مستوى أفراد المجتمع، ومن هذه الجهات: المؤسسات الإعلامية بكافة أجهزتها المرئية والمسموعة والمقروءة؛ بحكم اتصالها المباشر مع أفراد المجتمع، ومنها كذلك مؤسسات المجتمع المدني، ومنها المساجد، وطبعاً في مقدمة كلّ هذه المؤسسات التربوية “المدارس” من خلال تبنّي برامج في المنهج الدراسي معنيّة بتعزيز ثقافة الأزمات لدى الناشئة، وتبصيرهم بكيفية إدارة مشاكلهم وإيجاد الحلول لها من خلالهم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights