تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

هل الإنسان مُسيّر أم مُخيّر؟

خديجة المعمرية

الشخص المُسيّر هو الذي ليس له سُلطة أو سيطرة على ما يفعله.
أمّا الشخص المُخيّر هو الذي يملك السيطرة المُطلقة على ما يفعله. والإنسان في هذه الحالة ينطبق عليه الوصفان فهو مُسيّر ومخيّر كذلك.
إذ إنه مسيّر بعدم امتلاكه القدرة على الخروج عن قدَر الله سبحانه وتعالى، لأن الله هو الذي خلَق الخلْق وقدّر لهم أقدارهم قبل مجيئهم إلى هذه الدنيا.
والقدَر أمرٌ ثابتٌ وهو مِن أصول الإيمان، فإنّ النبي عليه الصلاة والسلام لَمّا سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان قال في جوابه:
“أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره”، فإنّ أعمال العبد وسعادته أو شقاءه كلّ ذلك قدْ كتبه الله له، فلا يستطيع العبد الخروج عمّا كُتب في اللوح المحفوظ.
مِن هذا المنظور يتّضح لنا أنّ الإنسان مسيّر ومُيسّر، لأنّ الله يُمهّد له الطريق لعمل الخير أو الشرّ، ويضع أمامه الخيارات.

أمّا مِن جهة التخيير فالله جلّ وعَلا ميّز الإنسان بالعقل وأعطاه السَّمع والبصر والفؤاد، فهو مِن خِلال استخدامه لهذه المُعطَيات يستطيع معرفة ما ينفعه وما يضرّه، ما يناسبه وما لا يناسبة.
فإذا أتى الطاعة أتاها عن اختيارٍ وقناعة.
فمثلاً لو قرّر الذهاب لأداء صلاة الجماعة فهو ذاهبٌ بمحض إرادته للصلاة، وإذا قرر التصدّق بماله على اليتامى والمساكين فهو مَن اختار ذلك، فما تزرعه اليوم تحصده غداً. فأنت إذا زرعتَ الخير أثمر في مَن هُم أهلٌ له، وإذا زرعتَ الشرّ والفساد أثمر في من هم أهلٌ له كذلك.
كمثال: إذا قرّر مُعلمٌ من المعلمين أنْ يقوم باختبارٍ للطلّاب وأعلمهم قبلها، فالبعض سوف يقوم بمراجعة الكِتاب ليتمكّن من الحلّ فهو بذلك قد اختار النجاح، أي أنه زرع خيراً فأثمر جهده وتكلّل بالنجاح، وطلابٌ آخرون أهملوا الكتاب ولم يقوموا بالمراجعة فهم بذلك اختاروا الرسوب، أي أنهم زرعوا الشرّ فأثمر كسلهم وعدم مراجعتهم لينتهي بهم الأمر بالرسوب.

وإذا أتى الإنسان المعصية أتاها عن قناعةٍ واختيار، فإذا قرّر شخص ما أن يشرب المسكرات فهو مَن اختار هذه المعصية، ناهيك عن الظروف العائلية أو رُفقاء السّوء أو المنغّصات التي تعكّر صفوَك.
كل ذلك يجبرك على الاختيار، وفي أغلب الأحيان تكون قد قمتَ بالخيار الخاطئ.

وفي بعض الأحيان تُجبرك الظروف على أخذ خيار مِن عدّة خيارات، ويكون ذلك الخيار صعب، كأنْ تقرّر الأمّ إيقاف أنبوبة الأكسجين عن ابنها لأنه في غيبوبه سريرية، هنا يكون أمام الأمّ خيارين: إمّا أنْ توقف أنبوبة الأوكسجين وتدع ابنها يموت في سلام، أو أنْ تنتظر صحوته من الغيبوبة، والتي قد تستغرق شهوراً أو أعواماً، والخياران قاسيان للأمّ.

فهي غير قادرةٍ على رؤية ابنها ممداً على السرير بلا حركة سوى صوت أوكسجينه، وغير قادرةٍ على حرمانه من الحياة.
وكذلك الحال لكثيرٍ مِن الخيارات في الحياة التي يصعب علينا أخذها إلا بعد التفكير مليّاً بالأمر.
وفي أغلب الأحيان نعجز عن أخذ الخيار المناسب، فالأمّ لو قرّرت أنْ تنزع أنبوبة الأوكسجين فربما تكون نظرة البعض لتصرفها بأنه تصرفٌ وحشيّ، ولكنّ عاطفة الأمومة هي التي تجعلها تتصرف بهذه الطريقة لأنها لا تحتمل رؤية ابنها يتألم ولا يستطيع الكلام بحُكم أنه في غيبوبة.

كذلك الحال للأمّ التي تُصرّ على إبقاء ابنها على قيد الحياة، فهي متعلقة ببصيص أملٍ خافتٍ بأن يرجع ابنها إلى حياته الطبيعية في يومٍ من الأيام.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights