وداد إلى جنّات الخلد
أسماء بنت جمعة المخينية
علمتُ بالأمس القريب وليس القريب جداً، أنّكِ ترقُدين في أجنحة المستشفى، وأنّ هناك مرضاً قد غَزى جسدكِ وأوهنَ عظامكِ ، وأنَّ أكُفّاً كثيرةً تضرّعتْ إلى الله تعالى راجيةً شفائكِ، إلّا أنّ أجَل الله قد نفذ، وأنّ رحيلكِ قد آن أوان موعده.
ماذا عسايَ أنْ أكتب يا ابنة حارتي، وأخت سنّي، وأنا أرى حالات التواصل تتزاحم في تعزية أهلكِ وخبر وفاتكِ فما الجديد الذي سأكتبه وما الغريب الذي سأصفه؟
هل سأكتب أنّ أمّ حور هي الأستاذة وداد المخينية بمدرسة صور للتعليم الأساسي، تلك المعلمة التي يتلألأ الهدوء في إشراقة وجهها، صاحبة الصوت الخافت أحياناً، والمبتهج أحياناً كثيرة، هي الأربعينية عمراً والعشرينية قلباً، هل أكتب لهم معنى حروف اسمكِ الذي أخذ من صفاتكِ الكثير والكثير، (فواوكِ) يا ودادُ ودّاً، (ودالك الأول) درراً، (وألفكِ) أُلفة، (وخاتمة دالكِ الأخير) دنيا يملؤها الفرح.
أتعلمين؟ سأخبرهم بأنكِ لستِ صديقتي ولا رفيقة دربي حتى أشهق حُزناً على وفاتكِ، ولم تجمعني ذكرياتٌ طفوليةٌ كثيرةٌ معكِ حتى أكتب عنكِ بهذه الحرارة الكاوية لوفاتكِ، وأنّ رقم هاتفكِ لا يوجد في قائمة هاتفي لكي تتيه خطواتي ويعتصر قلبي ألماً، ولم أحضر يوم زفافكِ حتى يحرقني شبابكِ يا وداد، وأني لم أرَ أطفالكِ حتى يؤلمني ألمهم ويتعبني فراقكِ عنهم، هل أخبرهم بزيارةٍ يتيمةٍ أتيتُ فيها لزيارتكِ مع أخواتكِ، فسرقَنا الوقت وداهَمَنا الليل وما هي إلا ثوانٍ حتى وصلت بيتنا.
لكني أيتها الراحلة، سأخبرهم عن سكة مخا التي ربطت بيننا، وعن هواها الترابي بجانب بيتكم في تلك الساحة التي تُدخل في نفوسنا الأمان كلما مررنا منها، سأخبرهم يا فقيدة مخا ومن سكنها عن باص المدرسة الذي أقلّنا إلى الخنساء وما سبقها والذي تمازحنا فيه وتعاركْنا. والمدرسة التي احتوتنا فكان منا المعلمة والطبيبة والمعيدة والممرضة والمديرة وداد.
سأخبرهم عن سبب ألمي وحرقة فؤادي يا مَن أوجعني جداً رحيلكِ وأبكاني حسرة شبابكِ؛ هو أنّ الله مَن جعل حبكِ في قلبي فرويتيه أنتِ بحنان ملتقاكِ وصفوة كلماتكِ وبراءة ابتسامتكِ، سقيتِ ودّكِ يا وداد باحترامكِ وتواضع كلامكِ معي وفرحة عيناكِ حين نلتقي، نثرتِ ورود عبير قلبك الطاهر في دربي حين أمُدّ يدي للسلام عليكِ يا أخيّتي.
رحمكِ الله وطيّب ثراكِ وأسكنكِ أعلى فراديس الجنان، لا أزكيكِ ولكني أحتسبكِ برحمة الله مع الصدّيقين والشهداء والصالحين وحُسُنَ أولئك رفيقاً.
يجبر الله كسر قلب مَن أحبّكِ وأنا منهم وأثاب أهلكِ وذويكِ الصبر والسلوان، إنا لله وإنآ إليه راجعون.